تشخيص أمراض الأمة الإسلامية من خلال الخطبة الشامية للأستاذ سعيد النورسي
د.آزاد سعيد سمو
إقليم كردستان العراق/جامعة دهوك ـ كلية العلوم الإنسانية
[email protected]
لقد عاش الأستاذ النورسي حياة مليئة بالمعاناة والآلام والصعاب في سبيل إصلاح المجتمع الّذي يعيش فيه، وكان يخطّط مع طلاّبه ليل نهار لوضع أفضل الـوسائل وأنسب السبل لإصلاح الأوضاع المترديّة والمزرية التي يعيشها ذلك المجتمع، ولم يفكّر الأستاذ يوماً من الأيام أن يهرب من مجتمعه كما يفعل الكثيرون ممن لا يثقون بأنفسهم وقدراتهم على التصدّي للسلوكيات الخاطئة داخل المجتمع، بل ظلّ في مجتمعه ليداوي جراحاته، ويصلح ما تهدّم منه، ويزرع بذور الخير والصلاح في كل مكان وطئته قدماه إلى أن توفي رحمه الله تعالى.
لقد سلك الأستاذ النورسي في إصلاح المجتمع مسلك الأطباء في معالجتهم للمرضى، فكما يقوم الطبيب في بداية الأمر بتشخيص المرض فإذا اكتشفه تمكّن من اختيار الوصفة الطبيّة المناسبة لذلك المرض بكل يسر وسهولة، كذلك قام الأستاذ النورسي في بداية الأمر بتشخيص علّة المجتمع فحدّدها بست علل، وبعـد تشخيصها حدّد لكل علّة من تلك العلل الدواء المناسب، هذا وقد كان الأستاذ النورسي بارعاً جدّاً في تشخيصه للعلل وتحديد العلاج الناجع لها، فقد تحدّث عن العلل بصورة موجزة ومختصرة جدّاً، بينما فصّل الحديث عن العلاج وطرقها ومسالكها شأنه في ذلك شأن الطبيب الماهر الحاذق الّذي لا يروّع مريضه بحديثه الطويل العريض عن أمراضه وعلله، وإنما يخبره بأنّه يحمل المرض الفلاني والفلاني وحسب، أما عندما يأتي إلى العلاج فيحدّثه عنها بالتفصيل، وأن عليه أن يفعل كذا وكذا، وأن يمتنع عن الطعام الفلاني والفلاني، وعليه استخدام الدواء الفلاني لمدّة كذا يوماً وهكذا إلى أن يتيقّن أن مريضه قد علم بما يجب عليه وما يمتنع.
هذا وقد شخّص الأستاذ النورسي أخطر تلك الأمراض والعلل في الخطبة الشاميّة التي ألقاها في الجامع الأموي بدمشق سنة 1911م بقوله:
((لقد تعلّمت الدروس في مدرسة الحياة الاجتماعيّة البشريّة وعلمت في هذا الزمان والمكان أن هناك ستة أمراض جعلتنا نقف علـى أعتاب القرون الوسطى في الوقت الّذي طار فيه الأجانب _وخاصّة الأوروبيين_ نحو المستقبل.
وتلك الأمراض هي:
أولاً: حياة اليأس الّذي يجد فينا أسبابه وبعثه.
ثانياً: موت الصدق في حياتنا الاجتماعيّة والسياسيّة.
ثالثاُ: حبّ العداوة.
رابعاً: الجهل بالروابط النورانيّة التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامساً: سريان الاستبداد سريان الأمراض المعدية المتنوّعة.
سادساً: حصر الهمّة في المنفعة الشخصيّة))( ).
بعدما حدّد الأستاذ النورسي الأمراض الرئيسة التي تعاني منها مجتمعاتنا شرع في تحديد الدواء الناجع لها، وفيما يأتي عرض لتلك العلل مع ذكر الأدوية والحلول التي طرحها الأستاذ النورسي:
أوّلاً: حياة اليأس:
لا شكّ أن اليأس داء خطير على الإنسان كفرد، فما بالك إذا سرى هذا الداء في المجتمـع بأسره، لا شكّ أنـه سوف يؤثّر عليه تأثيراً بالغاً حيث يشلّ كافّة أعضائه عن الحركة الإيجابيّة، ويجعله يستسلم لأبسط المشاكل التي تواجهه لأنه غير مقتنع أصلاً بجدوى المحاولة للخلاص من تلك الأوضاع المتردّية، وبالتالي يصبح ذلك المجتمع كالمريض الّذي أيس من كافّة الأدوية فاستسلم للموت الّذي ربّما يزوره في أيّة لحظة، ((واليأس بعد ذلك هو الواقع الداخلي الّذي يجسّد انهزام المسلم أمام قيمه ومثله وتضاؤله أمام التيارات واستسلامه الهادئ للرياح، وفقدان الثقة بنفسه وقضيّته، فلم يعد يؤمن أنّ له قضيّة يكافح في سبيلها، وقيماً يعمل لتركيزها، وهنا ينكمش ويتوارى عن الأنظار نتيجة فقدان هذا العنصر الرئيس (الثقة.القوّة) والأنكى من ذلك أنّ التفكير السطحي لا يقف عند هذا الحدّ بل يتعدّاه حتّى يعتبر التفكير في العمل على إعادة الإسلام إلى الحياة تفكيراً خياليّاً))( ).
يقول الأستاذ النورسي عن ضرر اليأس وخطورته على المجتمع: ((هذا اليأس هو الّذي قتل فينا الخصال الحميدة، وصرف أنظارنا عـن النفع العام وحصرها في المنافع الشخصيّة…وهذا اليأس هو الّذي أمات فينا الروح المعنويّة التي بها استطاع المسلمون أن يبسطوا سلطانهم على مشارق الأرض ومغاربها بقوّة ضئيلة، ولكن مـا أن ماتت تلك القوّة المعنوية الخارقة باليأس حتّى تمكّـن الأجانب الظَلَمة _منذ أربعة قرون_ أن يتحكّموا في ثلاثمائة مليون مسلم ويكبّلوها بالأغلال.
بل قد أصبح الواحد بسبب هذا اليأس يتّخذ من قصور الآخرين وعدم مبالاتهم ذريعة للتملّص مـن المسؤوليّة، ويخلد إلى الكسل قائلاً "مالي وللناس فكلّ الناس خائرون مثلي فيتخلّى عن الشهامة الإيمانيّة ويترك العمل الجاد للإسلام))( ).
لقد نهانا الإسلام عن خلق اليأس نهياً شديداً لما له من تأثير كبير على نفسيّة صاحبه، لذلك ((إذا عرضنا هذه الظاهرة على أحد معايير السلوك السويّ وهو (الإحساس بالجدارة) أمكننا أن ندرك بأنّ اليائس لا يتحسّس بجدارة ذاته وبكفايتها في ممارسة النشاط إذ ينسج حول ذاته نظرة سلبيّة غير قابلة على تخطّي الحواجز التي تواجهها في الحياة))( )، لذلك فقد عدّ القرآن الكريم اليأس صفة من صفات الكافرين الخارجين عن أمر الله سبحانه فقد ورد في القرآن الكريم على لسان يعقوب عليه السلام: }وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ اللّهِ إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رّوْحِ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ{ ( )، ويقول الله تعالى في آية أخرى:}يا أيّها الّذينَ آمنوا لا تَتَولّوا قَوماً غَضبَ الله عليهِم قَد يَئسوا مِنَ الآخِرة كما يَئِسَ الكفّار مِن أصحاب القُبور{ ( )، لذلك يجب على المسلم أن يكون واثقاً من رحمة الله سبحانه، وعليه أن لا يتباطأ في العمل على هداية الآخرين، وأن لا يتّخذ من أخطاء غيره مبرّراً للتقاعس عن العمل، بل عليه أن يستمرّ في العطاء والعمل للإسلام، وملأ الفراغ الّذي تركه الآخرون إن أمكن، ويجب عليه أن يعلم ويتذكّر دوماً بأنّ الّذي عليه هو التبليغ والدعوة وإلقاء البذرة الطيّبة، أما الهداية والصلاح فهو أمر عائد إلى الله سبحانه}يَهدي مَن يَشاء إلى صِراطٍ مُستَقيم{( ).
ويرى الأستاذ النورسي أنّ غرس الأمل هو خير علاج لداء اليأس حيث قال: ((الأمل: أي شّدة الاعتماد على الرحمة الإلهيّة والثقة بهـا.
نعم إنّه بناء على ما تعلّمته من دروس الحياة يسرّني أن أزفّ إليكم البشرى يا معشر المسلمين بأنه قد أزِفَ بزوغ أمارات الفجر الصادق ودنا شروق شمس سعادة عالم الإسلام الدنيويّة وبخاصّة سعادة العثمانيين، ولاسيّما سعادة العرب( )الّذين يتوقّف تقدّم العالم الإسلامي ورقيّه على تيقّظهم وانتباههم( ) فإنني أعلن بقوّة وجزم بحيث أسمع الدنيا كلها وأنف اليأس والقنوط راغم:
إنّ المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده، وإنّ الحكم لن يكون إلاّ لحقائق القرآن والإيمان، لذا فعلينا الرضا بالقدر الإلهي وبما قسّمه الله لنا؛ إذ لنا مستقبل زاهر، وللأجانب ماضٍ مشّوش مختلط)( ).
بعدما بيّن الأستاذ النورسي أنّ اليأس هو واحد من أخطر الأمراض التي أصابت المسلمين شرع في بيان العلاج الناجع لهذا المرض ألا وهو غرس الأمل في نفوس المسلمين، وإذا ما تأمّلنا في رسائل النور نجد أنّ الأستاذ النورسي كان يحمل أملاً كبيراً في إصلاح المجتمع وشفائه من الأمراض التي أصابته، كما كان يعمل دوماً على غرس ذلك الأمل الّذي يحمله في نفوس النّاس عموماً، وطلاّب النور خصوصاً، وما بشارته لنا بأنّه سيكون لنا مستقبل زاهر إلاّ واحدة من تلك الآمال التي كان يحاول غرسها في نفوس المسلمين.
هذا وقد أشار الأستاذ النورسي إلى بعض المبشّرات التي تؤيّد صدق توقّعاته بأنّه سيكون للمسلمين مستقبل زاهر، ومن تلك المبشّرات قوله: ((إنّ المستقبل الّذي لا حكم فيه إلاّ للعقل والعلم سوف يسوده حكم القرآن الّذي تستند أحكامه إلى العقل والمنطق والبرهان، وها قد أخذت الحجب التي كانت تكسف شمس الإسلام تنـزاح وتنقشع، وأخذت تلك الموانع بالانكماش والانسحاب…لقد حالت ثمانية موانع دون استيلاء حقائق الإسلام على الزمان الماضي استيلاء تامّاً وهي:
المانع الأوّل والثاني والثالث:
• جهل الأجانب.
• وتأخّرهم عن عصرهم (أي بعدهم عن الحضارة).
• وتعصّبهم لدينهم.
فهذه الموانع الثلاثة بدأت تزول بفضل التقدّم العلمي ومحاسن المدنيّة.
المانع الرابع والخامس:
• تحكّم القسّيسين وسيطرة الزعماء الروحانيين على أفكار النّاس وأذهانهم.
• وتقليد الأجانب لأولئك القسّيسين تقليداً أعمى.
فهذان المانعان أيضاً يأخذان بالزوال بعد انتشار حريّة الفكر وميل النوع البشري إلى البحث عن الحقائق.
المانع السادس والسابع:
• تفشّي روح الاستبداد فينا.
• وانتشار الأخلاق الذميمة النابعة من مجافاة الشريعة ومخالفتها.
فإنّ زوال قوّة استبداد الفرد الآن يشير إلى زوال استبداد الجماعة والمنظمات الرّهيبة بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة، ثمّ إنّ فوران الحميّة الإسلاميّة والوقوف على النتائج الوخيمة للأخلاق الذميمة كفيلان برفع هذين المانعين بل هما على وشك أن يرفعا، وسيزولان زوالاً تامّاً.
المانع الثامن:
• توهّم وجود نوع من التناقض بين مسائل العلم الحديث والمعنى الظاهري لحقائق الإسلام.
إنّ هناك مؤلّفات قيّمة لعلماء الإسلام في هذا المجال، وكلّ الأمارات تدلّ على أنّ هذا المانع الثامن سيضمحلّ تماماً.
وإذا لم يحدث ذلك الآن فإنّه بعد ثلاثين أو أربعين عاماً سوف يتجهّز العلم والمعرفة الحقيقيّة ومحاسن المدنيّة بوسائل وأعتدة متكاملة فتتغلّب هذه القوى الثلاث على الموانع الثمانيّة المذكورة…وسوف تقضي عليها قضاء تامّاً بعد نصف قرن إن شاء الله))( ).
لقد ارتكز الأستاذ النورسي في قناعته بأنّه سيكون للمسلمين مستقبل زاهر على عدّة مرتكزات منها: ما يحمله الإسلام من خصائص تؤهّله لكي يكون جديراً بالاتباع والاستسلام له، فهو دين العلم والعقل والبرهان، حيث يعتمد الإسلام على المنهج الإقناعي في أوامره ونواهيه، ومن المرتكزات الأخرى التي ارتكز عليها الأستاذ النورسي في قناعته تلك انقشاع السحب التي كانت تحول بين الناس وبين الفهم الصحيح للإسلام.
لذلك فعندما نقول إنّ المستقبل للإسلام لا نقوله من فراغ بل هناك عدّة مبشّرات من السنّة النبويّة تشير إلى ذلك بوضوح وجلاء منها ما رواه ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإنّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)( )، وكذلك ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ اللّيل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله هذا الدين بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل عزّاً يعزّ الله به الإسلام وذلاًّ يذلّ به الكفر)( ).
إنّ المتأمّل في أحوال العالم _سواء العالم العربي أو الإسلامي وحتّى الغربي أيضاً_ منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين يرى بوضوح بروز حالة من الوعي الإسلامي، وعودة رشيدة إلى الإسلام، وهذه الظاهرة هي التي جعلت بعض المفكّرين يقولون إنّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإسلام، فقد اتّسم ((النصف الأخير من القرن العشرين برجوع خاشع قانت إلى الله، رجوع النفوس الظامئة لريّ هذا الدين، أوبة الّذين يئسوا من كلّ أنظمة الأرض، فالإنسان أصبح آيساً من كلّ التجارب البشريّة، لقد فشلت الرأسماليّة بديمقراطيّتها وانهارت الليبراليّة بفروعها، كفر الإنسان بكلّ ما قدّمه الفلاسفة الغربيّون، لم تستطع الطبيعة أن تملأ الفراغ الّذي خلّفه دين الكنيسة بعد أن نابذته العناد والعداء ولم يفلح ماركس في حلّ لغز هذا الإنسان ولم يسد جوعته لمعرفة سرّه وطيّاته وأعماقه.
إنّ الحنين إلى الله منغرز في أعماق الفطرة البشريّة لن تمحوه أدوات إرهاب ولا وسائل إغراء، إنّ اللجوء إلى الخالق صبغة الله التي صبغ الناس عليها وفطرته التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله))( ).
إنّ المستقبل الزاهر للإسلام الّذي يراه الأستاذ النورسي نابع من حاجة الناس _كلّ الناس_ للإسلام وإلى تعاليمه وشرائعه، وهذه الحقيقة هي التي دفعت الشهيد سيّد قطب إلى القول: (( من طبيعة المنهج الّذي يرسمه هذا الّدين؛ ومن حاجة البشريّة إلى هذا المنهج نستمدّ نحن يقيننا الّذي لا يتزعزع في أنّ المستقبل لهذا الّدين، وأنّ له دوراً في هذه الأرض هو مدعوّ لأدائه _أراد أعداؤه أم لم يريدوا_ وأن دوره هذا المرتقب لا تملك عقيدة أخرى _كما لا يملك منهج آخر_ أن يؤدّيه، وأنّ البشريّة بجملتها لا تملك كذلك أن تستغني طويلاً عنه))( ).
ثانياً: موت الصدق في حياتنا الاجتماعيّة والسياسيّة:
إنّ الكذب واحد من أخطر الأمراض التي يصاب بها المجتمع، والكذب هو أصل الرذائل لأنّه يؤدّي إلى حدوث الخلل في المجتمع وتصدّع بنيانه، وإذا عُرف إنسان مّا بالكذب فسرعان ما يسقط في أعين النّاس حيث لا يصدّقه أحد في أقواله وأعماله، لذلك فقد حذّرنا الله ورسوله من هذا الخلق المذموم، وتوعّد الله الكاذبين بعذاب أليم فقال:} وَلا تَقولُوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُم الكّذِبَ هذا حَلال وَهذا حَرام لِتَفْتَروا عَلى الله الكَذِبَ إنَّ الّذينَ يَفْتَرون عَلى الله الكَذِبَ لا يُفْلِحون{( )وقال في آية أخرى: }إنّ الله لا يَهْدي مَن هُوَ مُسْرِف كَذّاب{( )، وورد عنه صلّى الله عليه وسلّم في ذمّ الكذب قوله: ((إيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النّار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّاباً))( ).
وإذا كان الإسلام قد حذّرنا من الكذب ونهانا عنه بشدّة فإنّه قد أمرنا مقابل ذلك بالصدق في الحديث، وفي التعامل مع الآخرين، وإذا كان الكذب عاملاً من عوامل هدم المجتمع فإنّ الصدق يبني المجتمع ويجعله متماسكاً، وينمّي روح الثقة بين أفراده، لذلك عُدّ الصدق أساساً من أسس المجتمع الفاضل، وإذا ما انتشر هذا الخلق في مجتمع من المجتمعات فلسوف تستقرّ أركانه، ويعمّ الخير والمحبّة فيه، هذا وقد أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز المسلمين بالصّدق في القول والعمل منها قوله: }يَا أيّها الّذينَ آمَنوا اتّقوا الله وَكونوا مَعَ الصّادقين{( )، وقال في آية أخرى عن ثمار الصدق يوم القامة }قَالَ الله هذا يَومُ يَنفَع الصّادقينَ صِدْقُهُم لَهُم جَنّات تَجري مِن تَحتِها الأنهَار خالِدينَ فيها أبَداً رَضي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنْه ذَلِكَ الفَوز العَظيم{( )، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البِرِّ وإنّ البِرّ يهدي إلى الجنّة وما زال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقاً))( ).
لذلك نرى الأستاذ النورسي وقد أكّد في رسائله على أهمية الصدق للمجتمع، وكذلك بيّن أضرار ومخاطر انتشار الكذب في المجتمع فقال:
((لقد علمتني زبدة تتبعاتي وتحقيقاتي في الحياة بتمخّض الحياة الاجتماعيّة أن: "الصدق" هو أساس الإسلام، وواسطة العقد في سجاياه الرفيعة، ومزاج مشاعره العلويّة، فعلينا إذاً أن نحيي الصدق الّذي هو حجر الزاوية في حياتنا الاجتماعية في نفوسنا ونداوي به أمراضنا المعنويّة.
أجل إنّ الصدق هو عقد الحياة في حياة الإسلام الاجتماعيّة، أما الرياء فهو نوع من الكذب الفعلي، وأما المداهنة والتصنع فهو كذب دنيء مرذول، أما النفاق فهو كذب ضارّ جدّاً، والكذب نفسه إنما هو افتراء على قدر الصانع الجليل))( ).
ثالثاً: حب العداوة:
وهذا أيضاً من الأمراض الخطيرة التي طالما عانت المجتمعات الإسلاميّة منها معاناة كبيرة قديمـاً وحديثاً، ففي الكثير من فترات التاريخ التي مرّت على المسلمين كان المسلمون بدلاً من أن يتكاتفوا ويتناصروا ويتماسكوا أمام مخططات الأعداء كان بعضهم يعادي بعضاً، ويخطط بعضهم للنيل من الآخر والوقيعة به، وربّما دفعت عداوة بعضهم البعض إلى الميل للأعداء، والوقوع في شباكهم ونصرتهم أو الاستعانة بهم على إخوانهم وبني جلدتهم.
هذا وقـد أكّد الأستاذ النورسي على ضرورة أن تسود المحبّة والوئام بين المسلمين بدلاً من العداوة والخصام فقال:
((إنّ صفة المحبّة التي هي ضمان الحياة الاجتماعيّة البشريّة والتي تدفع إلى تحقيق السعادة هي أليق للمحبّة، وإن صفة العداوة والبغضاء التي هي عامل تدمير الحياة الاجتماعية وهدمها هي أقبح صفة وأضرها وأجدر أن تتجنّب وتُنفَر منها… إنّ غرور الإنسان وحبّه لنفسه قد يقودانه أحياناً إلى عداء إخوانه المؤمنين ظلماً ومن دون شعور منه فيظن المرء نفسه محقّاً مع أن مثل هذه العداوة تعدّ استخفافاً بالوشائج والأسباب التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض _كالإيمان والإسلام والإنسانيّة_ وحطّاً من شأنها))( ).
أسباب تفرّق المسلمين:
إنّ داء الفرقة الّذي يعاني منه المسلمون اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة لتضافر عدّة أسباب أدّت إلى إصابة الأمّة بهذا الداء القاتل والأليم، وبسبب عدم مداواة هذا الجرح تفاقم الداء واستشرى في جسم الأمّة وأدّت إلى مضاعفات خطيرة لعلّ من أخطرها عدم تمكّن المسلمين عموماً والعرب على وجه الخصوص من الوقوف بوجه السياسات القمعيّة التي يمارسها يهود تجاه الفلسطينيين العزّل.
إنّ التفرّق والشقاق، بل العداوة والصراع القائم بين المسلمين اليوم هو جناية كبرى بحقّ هذا الدين الّذي طالما أكّد على وجوب التكاتف والتوحّد والتماسك والبعد عن التفرّق والتدابر، وبسبب ارتكاب المسلمين لتلك الجناية (التفرّق) فقد فرض عليهم دفع الضريبة، وسيستمرّون في دفعها إلى أن يقلعوا عن التفرّق وأسبابه والسبل المؤدّية إليه، ويعودوا اخوة متحابّين في الله ومتعاونين فيما بينهم على البرّ والتقوى.
لقد اجتمعت عدّة أسباب أدّت إلى حدوث التفرّق بين المسلمين ولعلّ من أبرزها ما يأتي:
أ- الجهل:
فالجهل داء خطير ويؤدّي إلى حدوث العديد من المشاكل والسلبيّات داخل المجتمع الإسلامي، لذلك نرى أنّ الله تبارك وتعالى قد نهانا عنه أشدّ النهي، وذمّ الجهل والجاهلين ذمّاً شديداً ومن ذلك ما جاء على لسان سيّدنا موسى عليه السلام: }أعوذُ بِالله أنْ أكونَ مِنَ الجاَهِلينْ{( )وقال تعالى مخاطباً رسوله الكريم: }وَلَو شَاءَ الله لَجَمَعَهُم عَلى الهُدى فَلا تَكونَنَّ من الجاهِلِين{( )، وفي آية ثالثة خاطب الله تعالى رسوله نوحاً عليه السّلام: }فلا تَسْأَلني مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إنّي أعِظُكَ أنْ تَكونَ مِن الجَاهِلين{( ).
إنّ انتشار الجهل وفقدان الوعي من المصائب الخطيرة والأليمة التي ابتليت بها الأمّة الإسلاميّة، وما هذا التفرّق والشقاق الموجود بينهم إلاّ واحدة من تداعيات انتشار الجهل وفقدان الوعي، يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: ((إنّ أخوف ما يخاف على أمّة ويعرّضها لكلّ خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمّة، وافتتانها بكلّ دعوة واندفاعها إلى كلّ موجة وخضوعها لكلّ متسلّط وسكونها على كلّ فظيعة وتحمّلها لكلّ ضيم، وأن لا تعقل الأمور، ولا تضعها في مواضعها ولا تميّز بين الصديق والعدوّ وبين الناصح والغاشّ، وأن تلدغ من جحر مرّة بعد مرّة ولا تنصحها الحوادث، ولا تروّعها التجارب))( ).
ب- ابتعاد المسلمين عن دينهم:
إنّ ابتعاد الملمين عن دينهم هو واحد من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تفرّق المسلمين وتنابذهم، فالمسلمون بابتعادهم عن دينهم قد ابتعدوا عمّا يأمرهم به دينهم، ولعلّ من أهم ما يأمرنا به ديننا هو التماسك والوحدة والابتعاد عن التفرّق والانقسام، فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: }وَأطيعوا الله وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفْشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُمْ وَاصبِروا إنَّ الله مَعَ الصّابِرين{( )، فالآية الكريمة تأمرنا بإطاعة الله تعالى وإطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما تنهانا عن التنازع الّذي يؤدّي إلى التفرّق والانقسام وفقدان القوّة والهيبة التي تكمن في التماسك ووحدة الصّف، وإذا تأمّلنا في الآية الكريمة لوجدناها قد ذكرت الأمر بإطاعة الله ورسوله مقابل التنازع والتفرّق، ولعلّ في ذلك إشارة إلى أنّ الأمّة إذا تنازعت وتفرّقت تكون بذلك قد عصت الله ورسوله بينما هي مأمورة بإطاعتهما، هذا وقد ختمت الآية الكريمة بنصيحة مهمّة ألا وهي ضرورة تحلّي المسلمين بالصبر على أخطاء بعضهم لأنّ الصبر عليها وتحمّل أخطاء المخطئين أفضل وأخفّ بكثير من حدوث التفرّق والنزاع داخل الصّف الإسلامي، وفي آية أخرى ينهانا الله تعالى عن التفرّق أشّد النهي فيقول:}شَرَعَ لَكُم من الدينِ ما وَصّى بِهِ نوحاً وَمَا وَصَّينا بِه إبراهيمَ وَموسى وَعيسى أنْ أَقيموا الّدين وَلا تَتَفَرّقوا فِيهِ{( ) ففي الآية ((نداء ربّانيّ جليل ماضٍ مع الزمن}أن أَقيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرّقوا فيهِ{قضيتان رئيستان: }أنْ أَقيموا الدّين{ هذه هي القضيّة الأولى وهي مسؤوليّة المؤمنين أنفسهم التي سيحاسبون على مدى الوفاء بها، وهي قاعدة عهد المؤمن مع ربّه وخالقه الله، والقضيّة الثانية:}وَلا تَتَفَرّقوا فيه{ وهي أيضاً مسؤوليّة المؤمنين وسيحاسبون عليها بين يدي الله في الآخرة، ويجنون مرارة التفرّق في الحياة الدنيا، ومرارة الذّلة والهوان كذلك))( ).
ج- الاستعمار والغزو الفكري والثقافي لبلاد المسلمين:
من أسباب تفرّق المسلمين _وربّما من أهمّها_ الغزو الاستعماري لبلاد المسلمين، فالمسلمون كانوا قبل ذلك أمّة واحدة في ظلّ الخلافة العثمانيّة( ) مرتبطين برابطة الإيمان والعقيدة، ومتآخين باخوّة الإسلام الّذي لم يفرّق ولم يفضّل بين عربيّ وأعجميّ ولا بين أبيض ولا أسود إلاّ بالتقوى كما صرّح به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فجاءت الدول الاستعماريّة وقسّمت بلاد المسلمين فيما بينها، وقامت بنشر الفساد والانحلال الخلقي في تلك البلدان.
إنّ الدول الاستعماريّة كانت متيقّنة من أنّها ستخرج من بلاد المسلمين يوماً ما لذلك قاموا بالإضافة إلى غزو البلاد عسكريّاً بغزوها فكريّاً وثقافيّاً لأنّهم إذا خرجوا أو أخرجوا من تلك البلاد فإنّ الغزو الفكري سوف يبقى ويقوم بدوره، يقول الشيخ محمد محمود الصوّاف: ((أخذ المستعمرون يبذلون كلّ الجهود لإشاعة الفساد في المجتمع الإسلامي العظيم وزرع الشكوك في العقول الإسلاميّة، وقتل الطموح في نفوس المسلمين، وبثّ الفرقة والشقاق في الصفّ الإسلامي))( ).
وإذا نظرنا إلى واقع الأمّة في عصر الأستاذ سعيد النورسي نرى إنّ الخلافة العثمانيّة رغم علاّتها وسلبيّاتها والانتقادات التي يمكن أن توجّه إليها رغم ذلك كلّه فقد كانت رمزاً لوحدة المسلمين وتماسكهم وترابطهم في ظلّها حيث كان المسلمون على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومشاربهم يرتبطون ببعضهم برباط الخلافة العثمانيّة، ولكن وبعد زوال الخلافة العثمانيّة انفرط عقد الأمّة وانقسمت الشعوب الإسلاميّة إلى دويلات وكيانات متصارعة ومتنافسة فيما بينها، يقول الأستاذ عبد الله الطنطاوي: ((لن نستطيع معرفة مدى الظلاّم الّذي خيّم على تركيا بعد ما يسمّى بالانقلاب العثماني، وسقوط السلطان عبد الحميد الثاني، وسيطرة الاتحاد والترقّي، والقوميين الطورانيين الّذين وصلوا بدولة الخلافة إلى حضيض التمزّق والتشرذم والتخلّف السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري والخواء الروحي إلاّ إذا كنّا على اطلاع دقيق على حالة الفوضى التي عمّت البلاد التركيّة))( ).
كان ذلك واقع الأمّة في عصر الأستاذ النورسي، هذا وقد ذكر الأستاذ النورسي سبيل الخلاص من هذا الداء الوبيل وذلك بالقيام بما يأتي:
أ- نبذ الخلافات والعودة إلى التماسك والبعد عن التفرّق:
يقول الأستاذ النورسي في ذلك: ((إنّ أشدّ القبائل تأخراً يدركون معنى الخطر الداهم عليهم فتراهم ينبذون الخلافات الداخليّة، وينسون العداوات الجانبيّة عند إغارة العدو الخارجي عليهم.وإذ تقدّر تلك القبائل المتأخّرة مصلحتها الاجتماعية حق قدرها فما للذين يتولون خدمـة الإسلام ويدعون إليه لا ينسون عداوتهم الجزئيّة الطفيفة فيمهدون بها سبل إغارة الأعداء الّذين لا يحصرهم العد عليهم؟! فلقد تراصف الأعداء حولهم وأطبقوا عليهم من كل مكان، إن هذا الوضع تدهور مخيف، وانحطاط مفجع، وخيانة بحق الإسلام والمسلمين))( ).
لقد كان الأستاذ النورسي يحاول باستمرار جمع المسلمين تحت مظلّة الإسلام، وكان يحثّهم على نبذ خلافاتهم جانباً والتفرّغ والاستعداد لمواجهة الأخطار الخارجيّة التي تهدّد كيانهم ككل، لقد أشار الأستاذ النورسي إلى أنّه إذا كان شأن القبائل _بل أشد القبائل تخلّفاً_ تناسي الخلافات الداخليّة أمام الأخطار الخارجيّة، فما بال من يدّعون العلم والثقافة لا ينسون خلافاتهم الجزئيّة والفرعيّة، ألا يكونون هم أجدر بأن يستجمعوا قواهم وطاقاتهم المادّيّة والمعنويّة لمواجهة الأعداء الّذين لا ينفكّون عن التخطيط وحبك المؤامرات للنيل منهم وتفريق شملهم، وفي ختام كلامه أكّد الأستاذ النورسي على أنّ التشبّث بالخلافات الداخليّة والجزئيّة وتناسي الأخطار الخارجيّة إنّما هو خيانة في حقّ الإسلام والمسلمين.
ب- عودة المسلمين إلى دينهم رمز الوحدة والقوّة:
يقول الأستاذ النورسي: ((اعلموا أنّ التاريخ الّذي يسجّل الوقائع الحقيقيّة أصدق شاهد على حقيقة الأحداث؛ فها هو التاريخ يرينا أنّ القائد الياباني الّذي هزم الروس يدلي بالشهادة الآتية في صدد عظمة الإسلام وحقّانيّته: "إنّه بنسبة قوّة الحقائق الإسلاميّة وبنسبة التزام المسلمين تلك الحقائق يزدادون رقيّاً وتقدّماً، هكذا يرينا التاريخ، ويرينا أيضاً أنّه بقدر ضعف تمسّكهم بتلك الحقائق يصابون بالتوحّش والتخلّف والاضمحلال والوقوع في ألوان من الهرج والمرج والاضطرابات ويُغلبون على أمرهم"))( ).
ويقول الأستاذ النورسي أيضاً: ((نحن الشّرقيين لا نشبه الغربيين، إذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإنّ بعث الأنبياء في الشرق يشير به القدر الإلهي إلى أنّ الشعور الديني وحده هو الّذي يستنهض الشرق ويسوقه إلى التقدّم والرقيّ…إنّ الحميّة الدينيّة هي أقوى وأمتن حبل نوراني نازل من العرش الأعظم فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم))( ).
لقد كان الأستاذ النورسي يحاول دوماً أن يبيّن أنّ للدين هيمنة كبيرة على نفوس الشعوب الشرقيّة عموماً، ويستدلّ على ذلك بظهور الأنبياء في البلاد الشرقيّة، ولقد كان الأستاذ النورسي يحثّ المسلمين على العودة إلى دينهم والتمسّك به لأنّ ذلك هو السبيل الأقوم الّذي يساعدهم في الوقوف بوجه محاولات تفريقهم وتشتيتهم.
لقد قام الأستاذ النورسي في كلامه السابق بتذكير المسلمين بالحقائق التاريخيّة التي أثبتت على مرّ الزمان أنّ المسلمين يسودون وينعمون بحياة هانئة سعيدة كلّما تمسّكوا بدينهم وطبّقوه في حياتهم الخاصّة والعامّة، وحكّموه في جميع شؤونهم، وبعكس ذلك فإنّهم _أي المسلمون_ كلّما ابتعدوا عن دينهم وتنكّروا له وتوجّهوا ذات اليمين وذات الشّمال كلّما ازدادوا شقاء وتعاسة وابتلوا بشتّى البلايا والمحن، وصدق سيّدنا الفاروق عمر بن الخطّاب حين قال: "كنّا قوماً أذلاّء فأعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزّة بغيره أذلّنا الله".
ج- التحرّر من هيمنة الدول الاستعماريّة:
يقول الأستاذ النورسي: ((يا أبناء هذا الوطن لا تحاولوا تقليد الإفرنج، وهل بعد كلّ ما رأيتم من ظلم أوروبّا الشنيع وعداوتهم اللدودة تتبعونهم في سفاهتهم، وتسيرون في ركاب أفكارهم الباطلة؟ وتلتحقون بصفوفهم، وتنضّمون تحت لوائهم بلا شعور؟ فأنتم بهذا تحكمون على أنفسكم وعلى إخوانكم بالإعدام الأبدي..كونوا راشدين فطنين، إنّكم كلّما اتبعتموهم في سفاهتهم وضلالتهم ازددتّم كذباً وافتراءً في دعوى الحميّة والتضحية، لأنّ هذا الاتباع استخفاف بأمتكم واستهزاء بملّتكم))( ).
بالرغم من كون الأستاذ النورسي لا يرى بأساً من الاستفادة من المخترعات والتقنيات والعلوم والفنون التي توصّلت إليها الدول الأوروبيّة، بالرغم من ذلك فقد كان شديد التحذير للمسلمين من تقليد الغرب في كلّ صغيرة وكبيرة، وكان يبيّن لهم أنّه لا يحلّ للمسلم التخلّق بأخلاق الأوروبيين التي تنافي دينه وقيمه النبيلة، هذا وقد أشار الأستاذ النورسي في كلامه السابق إلى الويلات التي لحقت بالمسلمين على أيدي الدول الغربيّة والاستعماريّة، وكان يحثّ المسلمين على أن يتذكّروا ذلك جيّداً لئلاّ ينخدعوا بهم ويتبعوهم في أخلاقهم وعاداتهم المنافية للإسلام، هذا وقد وصف الأستاذ النورسي اتباع الدول الغربيّة في كلّ شيء بأنّه قبول بالإعدام الأبدي، وفي ختام كلامه حثّ المسلمين كي يكونوا فطنين واعين، وأن يبتعدوا عن سفاهات وضلالات الأعداء إن كانوا صادقين قي انتمائهم للإسلام.
إنّ الدول العربيّة والإسلاميّة بالرغم من تحرّرها من هيمنة الدول الاستعماريّة عسكريّاً، إلاّ أنّها لا زالت ترضخ تحت هيمنتها الفكريّة والثقافيّة، وتتبعها في الكثير من أمورها دون التفرقة بين خيرها وشرّها، وحسنها وقبيحها، ولا شكّ بأنّ في ذلك ضرراً فادحاً وخطراً كبيراً على الأمّة ومستقبلها، فالهيمنة الفكريّة والثقافيّة ليست بأقلّ خطراً على الأمّة من الهيمنة العسكريّة إن لم نقل إنّ خطورتها تفوق خطورة الهيمنة العسكريّة بكثير لأنّ الأمّة بلا شكّ _كانت ولا تزال_ تعي خطورة الهيمنة العسكريّة للدول الاستعماريّة ولكنّ القليلون هم الّذين يدركون خطورة وضرر الهيمنة الفكريّة والثقافيّة، بل يرى البعض أنّ تقدّمنا ورقيّنا مرهون باتباع الدول الغربيّة في كلّ شيء في حلوها ومرّها وخيرها وشرّها كما مرّ معنا في الفصل التمهيدي.
لذلك ينبغي على الأمّة الإسلاميّة أن تتدارك الوضع، فالأمر جد خطير، وعلى الدعاة والمفكّرين والعلماء القيام بتوعية شعوبهم بضرورة الانعتاق والتحرّر من التبعيّة الفكريّة والهيمنة الثقافيّة للدول الغربيّة للخروج من الأزمة التي تعاني منها الأمّة الإسلاميّة.
رابعاً: الجهل بالروابط النورانيّة( ) التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض:
لقـد كان الأستاذ النورسي يعمل ليل نهار على ربط المسلمين بعضهم ببعض لذا كان يحاول أن يتواصل معهم سيّما العلماء والمفكّرين منهم في شتّى البلدان لتبادل الآراء والخبرات في مجال الإصلاح والدعوة والإرشاد، ومن الخطوات التي خطاها الأستاذ النورسي رحمه الله قيامه بإرسال مجموعة من رسائل النور إلى مكّة المكرّمة مع بعض الحجّاج من طلاّب النور لكي يهدوها إلى حجّاج آخرين قدموا من مصر ودمشق وحلب وبلاد الباكستان والهند وغيرها من البلدان الإسلاميّة، وبذلك استطاع إيصال أفكاره الإصلاحيّة إلى تلك البلدان أيضاً، وكان للأستاذ النورسي بعض المراسلات مع بعض قيادات العمل الإسلامي في البلدان الأخرى، وفيما يأتي نصٌّ فقرة من رسالة جوابيّة كان الأستاذ النورسي قد بعث بها إلى بعض قيادات الإخوان المسلمين في مدينة حلب السوريّة ومما جاء فيها:
((بالنسبة للتهنئة التي كتبها إليّ من حلب أحد أعضاء الإخوان المسلمين فإنّنا نهنّئه بالمقابل ونهنئ الإخوان المسلمين من صميم قلوبنا وأرواحنا ونقول لهم: بارك الله فيكم ألف مرّة، إنّ طلاّب النور الّذين هم بمثابة الاتحاد المحمّدي السابق يمثّلون الاتحاد الإسلامي في الأناضول، أمّا في البلاد العربيّة فالإخوان المسلمون هم الّذين يمثّلون الاتحاد الإسلامي…إنّ طلاّب النور والإخوان المسلمين من بين صنوف عديدة يشكّلان صفّين مترافقين ومتوافقين ضمن حزب القرآن وضمن دائرة الاتحاد الإسلامي المقدّسة، وقد سعدنا باهتمامهم الجدّي برسائل النور وبعزمهم على ترجمة بعضها إلى اللغة العربيّة…وأرجو منهم أن يقوموا برعاية طلاّب النور ورسائل النور هناك))( ).
وعندما زار مفتي الديار المصريّة الشيخ محمّد بخيت استانبول سنة 1908م التقى به الأستاذ النورسي وتبادل معه بعض المواضيع التي كانت تهمّ المسلمين في ذلك الوقت مثل الحضارة الأوروبيّة، ووضع الدولة العثمانيّة، وبعض الأحداث الساخنة التي كانت تشغل بال المسلمين في تلك الأيّام، هذا وقد أعجب المفتي بالأستاذ النورسي وآرائه النيّرة، وطروحاته الفكريّة الرائعة.
وزاره وزير المعارف الباكستاني مرّة وقد تحدّث الأستاذ النورسي عن ذلك اللقاء فقال: ((أتاني وزير المعارف الباكستاني لأخذ قسم من رسائل النور وقال سأسعى لنشر هذه الرسائل النوريّة بين تسعين مليوناً من المسلمين، وعلى الرغم من الدعايات المغرضة التي يشيعها المنافقون حولنا فإنّ الأنوار تنتشر في أماكن بعيدة كأوروبّا وآسيا بل أعلن في ألمانيا عن مجموعة "ذو الفقار"( ) بعد ظهورها مباشرة.
وما سفر الأستاذ النورسي إلى دمشق وبيروت إلاّ واحدة من تلك المحاولات التي كان يقوم بها الأستاذ النورسي للتواصل مع العلماء والمفكّرين والمصلحين العرب لتبادل الخبرات في مجال الدعوة والإصلاح، هذا وقد حاول الأستاذ النورسي أن يسافر إلى كلٍّ من بغداد والقاهرة إلاّ أنّه لم يتمكّن من تحقيق ذلك بسبب الظروف الصعبة التي كانت حركة النور تمرّ بها آنذاك.
لقد قام الأستاذ سعيد النورسي بكلّ ذلك في سبيل ربط المسلمين بعضهم ببعض لذا كان يردد دوماً: إن الّذي يجمعنا هو أكبر بكثير من الّذي يفرّقنا؛ فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقرآننا واحد، وديننا واحد، وقبلتنا واحدة، و..و.. لذلك كان يرى ضرورة أن يتماسك المسلمون ويتّحدوا مع بعضهم البعض حيث يقول:
((بفضل هذه الرابطة المقدسة التي تشدّ الأمة الإسلاميّة بعضها ببعض يصبح المسلمون كافة كعشيرة واحدة، فترتبط طوائف الإسلام كما يرتبط أفراد العشيرة الواحدة ويمدّ بعضهم بعضاً معنوياً وإذا اقتضى الأمر فمادّياً، وكأن الطوائف الإسلاميّة تنتظم جميعها كحلقات سلسلة نورانيّة…وهنا أنبّه ببالغ الأسى والأسف إلى أن قسماً من الأجانب كما سلبوا أموالنا الثمينة، وأوطاننا بثمن بخس دراهم معدودة مزوّرة، كذلك فقد سلبوا منّا قسماً من أخلاقنا الرفيعة وسجايانا الحميدة والتي بها يترابط مجتمعنا، وجعلوا تلك الخصال الحميدة محوراً لرقيهم وتقدمهم، ودفعوا إلينا نظير ذلك رذائل طباعهم وسفاهة أخلاقهم))( ).
خامساً: سريان الاستبداد سريان الأمراض المعدية المتنوعة:
كان الأستاذ النورسي يعتبر الاستبداد واحداً من ألد أعدائه( )، لذا عمل طوال حياته جاهداً الوقوف بوجهه، وبيّن سيئاته وأضراره على الأمة الإسلاميّة، وكان من جملة اعتراضاتـه على السلطان عبد الحميد الثاني استبداده في إدارته لشؤون الدولة، لذلك عندما أُعلنت المشروطيّة( ) الثانية مدحها وبيّن محاسنها، كمـا ذمّ الاستبداد وبين مساوئهـا.
لاشكّ أنّ الاستبداد داء خطير وكثيراً ما يصيب المجتمع فتؤثّر فيه تأثيراً بالغاً، حيث تقتل فيه مكامن القوّة والتقدّم والرقيّ، يقول عبد الرحمن الكواكبي في وصف الاستبداد: ((وخلاصة القول أنّ الاستبداد داء أشدّ وطأة من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريباً من السيل، أذلّ للنفوس من السؤال، داء إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء، والأرض تناجي ربّها بكشف البلاء، كيف لا تقشعرّ الجلود من الاستبداد وعهده عهد أشقى الناس فيه العقلاء والأغنياء، وأسعدهم بمحيّاه الجهلاء والفقراء، بل أسعدهم أولئك الّذين يتعجّلهم الموت فيحسدهم الأحياء))( ).
فما دام هذا هو شأن الاستبداد فلا غرابة في أن يحاربه ويقف في وجهه جميع رجالات الإصلاح _قديماً وحديثاً_ أمثال: السيّد جمال الدين الأفغاني، ومحمّد عبدة، وعبد الرحمن الكواكبي، وسعيد النورسي، وغيرهم من المفكّرين وزعماء الإصلاح، وإنّنا عندما نتحدّث عن الاستبداد ومخاطره لا نعني بذلك استبداد الحاكم فقط _وإن كان المراد عند الإطلاق استبداد الحاكم أو الاستبداد السياسي_ بل نعني به الاستبداد بكلّ أشكاله وصوره، نعني به كلّ استبداد يصدر عن كل صاحب سلطة بغضّ النظر عن نوعيّة السلطة _سلطة سياسيّة، أو سلطة دينيّة، أو اجتماعيّة_ فنعني به كلّ استبداد بدءاً من استبداد ربّ الأسرة، ومروراً باستبداد الموظف البسيط، وانتهاء باستبداد رئيس الدولة، فالاستبداد هو الاستبداد بغضّ النظر عن المستبدّ ونوعيّة استبداده ومنصبه ومكانته الاجتماعيّة.
بالرغم من أنّ الاستبداد إذا أطلق فإنّ الذهن يميل إلى الاستبداد السياسي عموماً والاستبداد في الحكم خصوصاً، إلاّ أنّه لا يقتصر على ذلك فحسب، بل له مظاهر عديدة وأشكال متنوّعة، وصيغ مختلفة وهي وإن كانت أقلّ خطورة من الاستبداد في الحكم إلاّ أنّ لها أيضاً آثارها السيّئة على المجتمعات البشرية قديماً وحديثاُ، وبما أنّ الاستبداد في الحكم هو الّذي عانى وتعاني منه الشعوب المقهورة المغلوبة على أمرها، وهو الّذي قارعه روّاد الإصلاح وركّزوا على محاربته لأنّه أم سائر أنواع الاستبداد الأخرى ، لذلك سوف أقتصر هنا في حديثي عن هذا النوع من الاستبداد دون غيره من الأنواع الأخرى.
إنّ الاستبداد في الحكم هو أشدّ أنواع الاستبداد خطراً على المجتمعات، حيث يتحكّم فرد واحد أو مجموعة من الأفراد في مقّدرات شعب بأكمله، ويسوسونهم بأهوائهم ونوازعهم الشخصيّة دون أن يعيروا أي اهتمام لرغباتهم وميولهم، فالقانون هو ما يرتضونه لهم، والحسن هو ما كان موافقاً لهواهم، والقبيح هو ما لا يعجبهم.
إنّ الاستبداد في الحكم هو الّذي عانى منه الناس سيّما أرباب الإصلاح قديماً وحديثاً، لذلك نراهم قد ركّزوا في كتاباتهم وخطبهم على هذا النوع من الاستبداد وبيّنوا أضراره ومخاطره على الشعوب المستضعفة، يقول الأستاذ النورسي: ((إنّ لكلّ زمان حكماً، ولكلّ وقت حكماً يحرّك ماكينة الهيئة الاجتماعيّة…فاعلموا أنّ الحاكم المعنوي في الاستبداد كان هو القوّة ليس إلاّ…فمن كان سيفه قاطعاً، وقلبه قاسياً ترقّى…إن كان كبيركم استند إلى القوّة الماديّة، واستعبد واستخدم الخلق، وربط الناس بتضييق الخوف والجبر، واستنزل الناس من الإنسانيّة إلى الحيوانيّة، فإن ظهر خيراً [كذا]( ) اغتصبه وأراه من نفسه، وإن وقع شرّ علّقه بعنق الملّة…فرئيسهم ورأسهم بدلاً عن أن يدخل تحت أكتافهم لينهضهم يركب على أغوارهم حتّى يترأس وحده، ويأكل من لحمهم حتّى يتورّم ويصير حجاباً لا يريهم الضياء لاستعداداتهم التي كالأزهار في الآكام، بل هو وحده ينمو وينبسط وينكشف ويتلألأ، فإن أردتم أن تنظروا إلى الاستبداد المجسّم فعليكم بهذا الرجل))( ).
سبل مواجهة الاستبداد:
بعدما تبيّن لنا خطر الاستبداد لابدّ لنا من الحديث عن سبل مواجهته، فالمستبدّ إذا لم يردعه رادع فسوف يستمرّ في استبداده، بل وسيوسّعه ويثبّته وعندها تصعب مقاومته والوقوف في وجهه، وفيما يأتي عرض لأهم تلك السبل والوسائل:
أولاً: الدعوة إلى الحريّة ونشرها بين الناس:
إذا كان الاستبداد بأنواعه يشكّل خطراً كبيراً على المجتمعات البشريّة كافّة فلا شكّ أنّ الحريّة تشكّل عنصراً أساسيّاً في مواجهة الاستبداد والظلم، ولها أهمية كبيرة بالنسبة للإنسان سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، فالإنسان بطبعه وفطرته التي فطره الله عليها محبّ للحريّة والانعتاق من القيود التي تفرض عليه وتحدّ من حركته سواء كانت تلك القيود قيوداً مادّيّة أو معنويّة، ولقد جاء الإسلام كي يحرّر الإنسان من أسر العبوديّة للبشر والحجر، لكي يحرّره من القهر والظلم والاضطهاد الّذي طالما عانى منه الإنسان على يد طواغيت البشر ((فالحريّة في الإسلام هي التحرّر من قيود الوثنيّة واستعباد الإنسان للإنسان، وهي مضادّة للعبوديّة في مختلف صورها، عبوديّة الأوثان، وعبوديّة رقّ الإنسان، والعبوديّة لأي كائن كان، وهي ليست للفرد وحده، ولكنّها حريّة الفرد، وحريّة الجماعة، الحريّة المنضبطة القائمة على الحق والواجب في آن واحد))( ).
وإذا كان الناس في زماننا هذا يعانون من منع حريّة الرأي فإنّ الإسلام قد تكفّل للناس بهذه الحريّة وجعلها واحدة من حقوقهم المشروعة التي لا يجوز التعدّي عليها أو سلبها منهم، فـ ((حريّة الرأي بمعنى المطالبة بالحق، والشكوى من الظلم، أو تنبيه الحاكم إلى أخطائه وتقويمه إذا أخطأ…وإبداء الرأي في أي شأن من شؤون الدولة والحياة المدنيّة إلى غير ذلك من الأمور التي تسمّى في عصرنا هذا بالحريّة السياسيّة فإنّ الإسلام لا يكتفي بالسماح بممارستها بل إنّه يأمر بها ويقدّسها ويعتبرها فريضة على كل مسلم، ونوعاً من أنواع الجهاد والعبادة))( ).
وما دام الحديث يدور حول الحريّة فهناك مسألة مهمّة في هذا الصدد وهي أنّه يجب أن يُعلم أنّنا عندما ندعو إلى الحريّة وضرورة أن يتمتّع المجتمع بها فإنّ ذلك لا يعني إفساح المجال أمام الإباحيّة وكسر القيود وتدنيس القيم العليا للمجتمع، وقيام كل من هبّ ودبّ بكل ما يحلو له وما يمليه عليه مزاجه وهواه، بل يجب أن تكون الحريّة منضبطة ومقيّدة لئلاّ تؤدّي إلى نتائج عكسيّة، فوضع القيود على الحريّة الشخصيّة أمر لابدّ منه للحدّ من حدوث الفوضى والعبثيّة داخل المجتمع، لذلك فإنّ في الإسلام مبادئ ثابتة لا يمكن المساس بها أو جعلها عرضة لعبث العابثين تحت ذريعة أنّ الإسلام يكفل للفرد حريّته الشخصيّة ((فجميع دساتير العالم تشتمل على مبادئ رئيسيّة لا يمكن المساس بها أو مناقشتها، ففي روسيا لا يمكنك أن تنادي بالرأسماليّة، وفي أمريكا تحظر الدعوة إلى الشيوعيّة، وكذلك في الإسلام لا يمكنك الدعوة إلى الكفر والتشكيك في الله…أو منع الفروض وإباحة المحرّمات…لأنّ هذه من الأشياء الرئيسيّة التي تحرص كل دعوة أو مبدأ صيانتها لأنّ محاولة هدمها يعتبر هدماً للمبدأ من أساسه))( )، وفي ذلك يقول الأستاذ النورسي: ((إنّ تفسير الحريّة والعمل بها على أنّها التحرّر من القيود والانغمار في السفاهات والملذّات غير المشروعة والبذخ والإسراف وتجاوز الحدود في كلّ شيء اتباعاً لهوى النفس مماثل لمن يتحرّر من أسر سلطان واحد ويدخل في استبداد حقراء سافلين كثيرين))( ) لذلك ينبغي أن نعلم أنّه كما تكون للاستبداد والظلم نتائج وخيمة وتبعات خطيرة على المجتمع فإنّ للحريّة العمياء المتروكة الزمام أيضاً تلك النتائج والتبعات الخطيرة إن لم نقل أكثر، ونخلص إلى القول في هذا الصدد إلى أنّه كما أنّ الاستبداد مرفوض فإنّ الحريّة المطلقة التي تكون على حساب الآخرين أيضاً مرفوضة.
لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع كونه نبيّاً يستنير في سيره بنور الوحي _رغم ذلك_ فقد كان يستشير الصحابة رضوان الله عليهم في الكثير من الأمور التي تعرض عليه، وبذلك أعطاهم درساً عمليّاً في النهي عن الاستبداد والتفرّد بالرأي وفي اتخاذ القرارات.
لذلك أكّد الأستاذ النورسي على ضرورة تمتّع الشعب بالحريّة التامّة لكي يقطع السبيل أمام استبداد المستبدّين يقول الأستاذ النورسي: ((ألا إنّ الحريّة أن يكون المرء مطلق العنان في حركاته المشروعة، مصوناً عن التعرّض، محفوظ الحقوق، ولا يتحكّم بعض على بعض بسرّ ((ولا يجعل بعضكم بعضاً أرباباً من دون الله))( )، ولا يأتمر عليه غير قانون العدالة والتأديب لئلاّ يفسد حريّة إخوانه، على أنّ كمال حريّته بحريّتهم…نحن معاشر البدو كنّا أحراراً حريّتنا ولدت معنا..ولكن أين أنتم من الحريّة الإنسانيّة التي كالشمس في البهاء…وما هي إلاّ التي تخدّرت في قصر المدنيّة..وتولّدت بامتزاج لمعات حريّات الأفراد…إنّ عبد الله حرٌّ، وإنّ خادم سلطان الكائنات برابطة الإيمان لا يتنـزّل أن يذلّل أو يتذلّل لأنّ للإيمان شهامة تترفّع عن الانقياد للتحكّم والاستبداد…وكذا للإيمان شفقة تتنـزّه عن تجاوز إلى حقوق الغير وإزالة حريّته..فبمقدار قوّة الإيمان تلألأ[كذا]( ) الحريّة الشرعيّة))( ).
إنّ الإنسان الّذي لا يأمن على نفسه وماله وكرامته وحقوقه من عبث العابثين فالموت أفضل له بكثير من تلك الحياة التي يعيشها في ظل الاستبداد والظلم والقهر، فالحريّة أعزّ شيء على الإنسان كما يقول الكواكبي، لذلك فمن فقدها فلا معنى لحياته، وفي استشهاد الأستاذ النورسي بقوله تعالى:}وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّه{ على عدم جواز تحكّم البعض في البعض الآخر وكبت حريّاته وتقييد حركاته وسكناته في ذلك إشارة منه إلى أنّ المستبدّ ربّما يبلغ به استبداده إلى درجة يرى فيه نفسه نزعة إلهيّة، فالله وحده }لا يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلْ وَهُمْ يُسْأَلون{( )، وهو وحده الّذي يجب تنفيذ أوامره والابتعاد عن نواهيه دون نقاش أو تباطؤ، والمستبدّ الّذي لا يقبل سماع قول: لا، ولا يقبل النقاش والجدال في كلّ ما يصدر عنه كأنّه يدّعي أنّه يحمل في نفسه نزعة إلهيّة!!
لقد بيّن الأستاذ النورسي في كلامه الآنف الذكر مسألة مهمّة وهي أنّ القرويين وأهل البادية ربّما يكونون أشدّ تمسّكاً بالحريّة من أهل الحضر، فالقرويّ يولد وتولد معه حريّته _كما قاله النورسي_ لذلك فهو أشدّ معارضة للاستبداد والظلم من أهل المدن، ولكن مع ذلك يخاطب النورسي البدويين بأنّ حريّتهم لا زالت ناقصة، لأنّ الحريّة يجب أن تعمّ القرى والمدن على حدّ سواء، فالحريّة هي ملك للإنسانيّة جمعاء ولا يستغني عنها أحد من الناس، هذا وقد وصف الأستاذ النورسي الحريّة في المدينة بأنها كالشمس في البهاء مشيراً بذلك إلى أهميّة انتشار الحريّة في المدن لأنّ التغيير ينطلق منها، وهي التي تشكّل قاعدة الحكم وتسييس أمور البلاد، لذلك فإنّ الحريّة التي يتمتّع بها أهل القرى والبوادي قد لا يستفيد منها سكّان المدن، كما وصف الأستاذ النورسي الحريّة في المدينة بأنها مخدّرة لذلك فهي بحاجة إلى من يوقظها من سباتها، ويبعث فيها الحياة مرّة أخرى، ويشير كذلك إلى أنّ الحريّة في المدن مقتصرة على أفراد معيّنين ينعمون بها على حساب شعوبهم المغلوبة على أمرها، وأخيراً يأتي الأستاذ النورسي ويربط بين الإيمان وطلب الحريّة ربطاً محكماً، ويؤكّد على أنّ شهامة الإيمان لا يمكنها بحال من الأحوال أن ترضى بالذلّ والقهر والاستبداد.
ثانياً: تطبيق الشورى والديمقراطيّة في الحكم:
إنّ الحاكم لا يمكنه أن يستبدّ في حكمه ما لم تتهيّأ له الأرضيّة المناسبة لذلك، فالحاكم إذا كان فرداً وكانت مقاليد الأمور كلّها في يده فهناك احتمالات كبيرة أن يلجأ إلى الظلم والاستبداد، أمّا إذا كان الحكم شوريّاً وديمقراطيّاً، وكانت مقاليد الأمور في يد مجموعة من الناس فلا شكّ أنّ الاستبداد أبعد ما يكون عنهم وعن حكمهم، هذا وقد أكّد فقهاء المسلمين على وجوب استعانة الحاكم بأهل الحلّ والعقد واستشارتهم في إدارة دفّة الحكم في البلاد لمنع حدوث الاستبداد، ولكي تكون القرارات أقرب إلى الصواب والعدل والمساواة، (وإذا دقّقنا النظر في أدوار الحكومات الإسلاميّة من عهد الرّسالة إلى الآن نجد ترقّيها وانحطاطها تابعين لقوّة أو ضعف احتساب أهل الحلّ والعقد واشتراكهم في تدبير شؤون الأمّة، وإذا أرجعنا البصر إلى التاريخ الإسلامي نجد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان أطوع المخلوقات للشورى امتثالاً لأمر ربّه في تبارك و تعالى:}وَشاوِرْهُم في الأَمر {( ) حتّى أنّه ترك الخلافة لمجرّد رأي الأمّة.
ثمّ كان أوّل الخلفاء رضي الله عنه أشبه الناس به…وهكذا كانت دولة الأمويين تحت سيطرة أهل الحلّ والعقد، فانتظمت على عهدهم الأحوال، كما كان ذلك كذلك على عهد صدر العباسيين حيث كانوا مذعنين لسيطرة رؤساء بني هاشم، ثمّ لمّا استبدّوا في الرأي والتدبير فخالفوا أمر الله واتباع طريقة رسول الله ساءت الحال حتّى فقد الملك))( ).
إنّ الأمّة والدولة تكونان في خير ما كانت هناك شورى وديمقراطيّة في الحكم، أمّا إذا فقد ذلك فإنّ الخراب والدمار سوف يعمّان البلاد، والشواهد والوقائع التاريخيّة خير مثال على ذلك، يقول الأستاذ النورسي ((إنّ هذا الانقلاب( )لو أعطى الحريّة التي أولدها إلى أحضان الشورى الشرعيّة لتربيتها فستبعث أمجاد الماضي لهذه الأمّة قويّة حاكمة، بينما لو صادفت تلك الحريّة الأغراض الشخصيّة فستنقلب إلى استبداد مطلق فتموت تلك المولودة في مهدها…إنّ المسألة التي سمعتموها وهي المشروطييّة والقانون الأساس ما هي إلاّ العدالة الحقّة، والشورى الشرعيّة، تلقّوها بقبول حسن، اسعوا للحفاظ عليها لأنّ سعادتنا الدنيويّة في المشروطيّة، فلقد قاسينا الأمريّن من الاستبداد أكثر من الآخرين))( ).
إنّ في تطبيق الشورى والديمقراطيّة في أي بلد هي ضمانة كبرى لمنع الظلم والاستبداد، وإذا ما وقع ظلم على أيّ فرد فبإمكانه أن يرفع شكوى ضدّ من ظلمه وسوف يأخذ حقّه منه، لذلك يجب على المجتمعات الإنسانيّة _إذا أرادت التخلّص من أسر الاستبداد_ أن تعمل ليل نهار، وتستعين بشتّى الوسائل المشروعة والممكنة على ترسيخ الشورى والديمقراطيّة ونشرها بين الناس وتوعيتهم بأهميتها إذا ما أرادوا أن يعيشوا حياة حرّة كريمة بعيدة عن الظلم والاستبداد.
ثالثاً: الفصل بين السلطات:
لقد اعتادت الدول وتعارفت على تقسيم السلطات في الدولة إلى ثلاثة أقسام: السلطة التشريعيّة، والسلطة التنفيذيّة، والسلطة القضائيّة، وقد بيّنوا مهام وصلاحيّات كل سلطة من تلك السلطات الثلاث، ففي الحكومات الاستبداديّة تجمع هذه السلطات الثلاث في يد شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص _كأن يكونوا عائلة واحدة مثلاً_ فيُقْدِم هذا الشخص أو هذه المجموعة بسن القوانين، وهي ذاتها التي تقوم بتنفيذها، فهل يعقل أن تسنّ هذه المجموعة قانوناً يناقض أو يصطدم مع مصالحها وأهدافها ورغباتها؟!
لذلك فلو أردنا أن نحدّ من استبداد الحكّام فلا بدّ من فصل تلك السلطات الثلاث ((والمقصود الحقيقي لمبدأ الفصل هو أن تكون السلطات متساوية ومتوازية ومستقلّة فلا تستطيع إحداها أن تستبدّ بالأمر ، أو تستقلّ وحدها بالسلطة مع قيام التعاون بينها، والرقابة على بعضها…وبذلك تتمّ كفالة حقوق الأفراد وحريّاتهم، ويكون في أمان من الاستبداد والطغيان الناتج من تجمّع السلطات في يد واحدة تسنّ القانون ثمّ تتولّى تنفيذه))( ).
رابعاً: خضوع الحاكم للمراقبة والمحاسبة:
لقد أكّد الأستاذ النورسي على ضرورة مراقبة الحكّام ومحاسبتهم لأنّ المستبدّ من طبعه أن لا يكفّ عن الاستبداد إلاّ إذا وضع تحت المراقبة الدقيقة، والمحاسبة الشديدة، فالمحكومون من قبل أي حاكم يرتدعون عن ارتكاب الأخطاء والمخالفات لأنّ هناك حاكما يراقبهم، وسوف يحاسبهم ويعاقبهم إن هم ارتكبوا خطأً ما، فكذلك هو شأن الحاكم يجب أن يكون هناك من يراقبه ويحاسبه على أفعاله، وخير من يتولّى هذه المهمّة هو الشعب نفسه _بصورة مباشرة_ أو غير مباشرة من خلال البرلمان المنتخب الّذي يمثّل ذلك الشعب، وإذا ما تأمّلنا في الشريعة الإسلاميّة نجد انّه لم يكن ((أمر مراقبة شرعيّة أوامر الدولة لهيئة معيّنة _ولا مانع من وجودها بل هو المطلوب_وإنّما وكّل ذلك إلى الشعب كلّه، إنّه الأمين على شرع الله فواجب عليه أن يمتنع عن تنفيذ ما يخالف الشرع، وأن يبادر إلى مقاومة السلطة الجائرة، ودفعها بكلّ ما أمكنه من وسائل الدفع، وبذلك يقيم الإسلام رقابة شعبيّة يقظة في مواجهة السلطة لمنعها من الاستبداد وحملها على الالتزام بالشريعة ومقاصدها وأهمّها العدل))( ).
إذاً لا بدّ أن يكون هناك من يراقب الحاكم ويحاسبه ويمنعه من الظلم والاستبداد وإلاّ أصبح الحاكم مطلق العنان يقرّر ويشرّع ما تمليه عليه أهوائه وميوله ونوازعه الشخصيّة سيّما إذا كان محاطاً ببطانة سوء ممن يباركون كلّ ما يقوم به الحاكم بغض النظر عمّا إذا كان ذلك العمل أو التصرّف خطأً أو صواباً، حسناً أو سيئاً، المهم هو إرضاء الحاكم وإن كان على حساب الشعب وكرامته وحقوقه.
سادساً: حصر الهمّة في المنفعة الشخصيّة:
هذا الداء هو الّذي يسمى بالأنانية التي طالما حذّر الأستاذ النورسي طلاّبه وغيرهم منها لما لها من آثار سلبيّة على المجتمع حيث يحبّ المصاب بذلك الداء الخير لنفسه من دون سائر الناس الآخرين، ويتعامل مع الآخرين على أساس المنفعة الشخصيّة، هذا وقد عدّ الأستاذ النورسي الأنانيّة مانعاً من موانع الإخلاص حيث قال: ((المانع الثاني للإخلاص هو: إعطاء ما يداعب أنانيّة النفس الأمّارة بالسوء وما تستشرفه من منزلة ومكانة، تتوجه إليها الأنظار، وحب إقبال الناس، وطلب توجههم بدافع من حب الشهرة وذيع الصيت الناشئ من التطلّع إلى الجاه وحبّه…فكما أن هذا داء روحي وبيل، فهو باب إلى "الشرك الخفي" الّذي هو الرياء والإعجاب بالنفس الماحق للإخلاص))( ).
لذلك أكّد الأستاذ النورسي على ضرورة تحلّي الإنسان بروح الإيثار وطلب المنفعة العامّة بـدلاً عن الأنانيّة وحب المنفعة الشخصيّة المحدودة التي ربّما تكون في الكثير من الأحيان على حساب مصلحة ومنفعة الآخرين.
إنّ الإيثار هو من الأخلاق الرفيعة التي لا يتحلّى بها إلاّ من كان على درجة كبيرة من التقوى والزهد والخشوع لله تعالى، وقد عرّفه الراغب الأصفهاني بأنّه: ((للتفضّل ومنه آثرته وقوله تعالى: }وَيُؤثِرونَ عَلى أنْفُسِهِمْ {( ) ))( )، وعرّفه ابن القيّم بأنّه: ((البذل، وتخصيصك لمن تؤثره على نفسك))( ).
وإذا كان الإيثار من الأخلاق المحمودة فإنّ هناك خلقاً آخر يقابله وهو الأثرة، فالأثرة من الأخلاق المذمومة التي يعاب المرء عليها، وقد عرّفها الراغب بـ: ((أثرة: أي يستأثر بعضكم على بعض، والاستئثار التفرّد بالشيء من دون غيره))( )، وعرّفها ابن القيّم بأنّها: ((استئثار صاحب الشيء به عليك وحوزه لنفسه دونك))( ).
وإذا ما قارنّا بين كلٍّ من الأثرة والإيثار لتبيّن لنا البون الشاسع بينهما، فشتّان ما بين الأثرة والإيثار، فصاحب الإيثار يؤثر غيره على نفسه في شيء يكون هو أحوج ما يكون إليه، بينما صاحب الأثرة يفضّل نفسه على الآخرين حتّى ولو لم يكن محتاجاً إلى ذلك الشيء، والأثرة ((هي المرتبة التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للأنصار رضي الله عنهم "إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض" والأنصار هم الّذين وصفهم الله بالإيثار في قوله:}ويُؤثِرونَ على أنْفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِم خَصاصة{( ) فوصفهم بأعلى مراتب السخاء وكان ذلك فيهم معروفاً))( ).
إنّ داء الأنانيّة والنـزعة الفرديّة (الأثرة) التي أشار إليها الأستاذ النورسي لهي أمر دخيل على الأمّة الإسلاميّة، ولعلّ العامل الأقوى في بروز وانتشار هذا الداء في الأمّة يكون متمثّلاً في الوافد الثقافي الغربي، فالأمّة في فترة ضعفها تخلّت عن الكثير من قيمها الخلقيّة والاجتماعيّة وأبدلتها بمجموعة من العادات والأخلاق الغربيّة والغريبة عنها ضنّاً منها أنّ ذلك سيساعدها على تجاوز محنتها وتخلّفها العلمي والاقتصادي، هذا وقد ((غلّف الغرب دعوته إلى سيادة الثقافة الغربيّة بغلاف جميل برّاق يخدع البسطاء والسذّج من البشر، فأخذوا ينادون بوحدة الثقافة العالميّة، وهي عبارة خلاّبة المظهر، برّاقة الصورة، والهدف من وراء ذلك صهر الثقافات الإنسانيّة في بوتقة الثقافة الأوربيّة، وقد ركّزوا هجومهم على القيم والخصائص التي تميّز الثقافة الإسلاميّة لهدمها في الفرد المسلم والأمّة المسلمة.
وشبيه بهذه الدعوة دعوتهم الأمّة الإسلاميّة إلى التحضّر والتمدّن، ويزعمون أنّ التمدّن والتحضّر هو نمط الحياة التي يعيشها العالم الغربي، فهي الدول المتقدّمة أمّا نحن ودول العالم الثالث فمتخلّفون ومرادهم من وراء هذه الدعوة سوق النّاس جميعاً إلى الولاء والعبوديّة لسيادة الفكر الغربي وإحلال القيم والمفاهيم الغربيّة محلّ القيم الفكريّة والثقافيّة التي يدين بها الشرق والعالم الإسلامي وهي قيم ومفاهيم تختلف في جوهرها وأصولها وفلسفتها عن مثيلاتها في العالم الغربي))( ).
هذا وقد سخّر الاستعمار له مجموعة من المتنوّرين _بزعمهم_ لنشر الدعوة إلى اتباع الغرب والتخلّق بأخلاقه والتثقّف بثقافته وتبنّي فكره وحضارته، ولعلّه يأتي في مقدّمة هؤلاء سلامة موسى (1888-1958م) الّذي تحمّس للدعوة إلى التغريب أكثر من الغربيين أنفسهم، لذلك يقول عنه الدكتور محمد عمارة: ((كان الرجل مشروعاً فكريّاً للعمالة الحضاريّة بلغ حدّ الصراحة العارية..الكاملة للحضارة الغربيّة ..بل لقد مثّل القمّة في مشروع "التفرنج" الّذي استهدف نزع أسلحة المقاومة الحضاريّة لدى الأمّة عندما عمّتها بلوى الاحتلال الاستعماري، وسقطت فريسة تحدّيات التغريب والمسخ والنسخ والتشويه لذاتيّتها القوميّة وهويّتها الحضاريّة.
وإذا كانت الحرب الاستعماريّة الأولى قد مثّلت حقبة عموم هذه البلوى..فسقطت ديار الإسلام تحت سنابك الاحتلال الاستعماري الغربي، وبدأ التنفيذ لمخطط المشاركة (الصهيونيّة_الصليبيّة) في قلب وطن العروبة وعالم الإسلام..وطويت صفحة الخلافة الإسلاميّة رمز المشروع الإسلامي بإلغائها...وتخلّقت في واقعنا الفكري والسياسي الداخلي دعوات وأحزاب جعلت النموذج الغربي نموذج الغالب المستعمر المثل الأعلى الّذي يتعلّق به المغلوبون سبيلاً للتحرّر والخلاص))( ).
لقد كانت المجتمعات الغربيّة ولا تزال تتّسم بالأنانيّة وروح الفرديّة، فالإنسان الغربي لا يحبّ إلاّ نفسه، ولا يريد الخير إلاّ لنفسه، وإذا أحبّ شخصاً آخر فلمصلحة يرجوها منه، وهذا الخلق هو الّذي دفع بهم إلى نبذ التكافل الاجتماعي، والارتباطات العائليّة، وعلاقات القرابة، وما إلى ذلك، حيث تفكّكت الأسرة ولم يبق لها أي اعتبار، ورغم كلّ ذلك ترى في المسلمين من ينادي بضرورة السير نحو خطى الغرب ويظهر إعجابه بهم، يقول الأستاذ منير شفيق: ((من دارج النقد الّذي يوجّهه أولئك( )لمجتمعاتنا ومنذ عشرات السنين أو ربّما منذ ما بعد منتصف القرن التاسع عشر ينصبّ على نمط العلاقات العائليّة والعشيريّة والقبليّة، وحتّى نمط العلاقة بين الجيرة والأصدقاء، ومن دارج الإعجاب بالنموذج الغربي الّذي يوجّهه أولئك يتغنّى بعلاقة الفرد بالمجتمع والدولة هناك، وكيف أخذت تتحدّد العلاقات على أساس الأحزاب الحديثة والنقابات وأنظمة الضمان الاجتماعي والصحّي، بعد أن تمّ التخلّص من أنماط العلاقات الاجتماعيّة التقليديّة، ويشار في مقدّمة ذلك إلى الخلاص من نمط القيود العائليّة والالتزامات المختلفة بما في ذلك التزام الأبناء بضمان شيخوخة الآباء والأمّهات))( ).
أمّا الأستاذ سعيد النورسي فيرى أنّ الأنانيّة والروح الفرديّة من مخلّفات وآثار الفكر الوافد على الأمّة الإسلاميّة لذلك يجب محاربته والتحلّي بدلاً عن ذلك بروح الإيثار وحبّ الخير للآخرين فيقول: ((إن السجيّة المليّة التي أخذوها منّا( )هي قول واحد منهم: "إن متّ أنا فلتحيا أمتي فإن لي فيها حياة باقية" هذه السجيّة أقوى أساس وأمتنه لرقيهم وتقدمهم، قد سرقوها منّا؛ إذ هذه الكلمة إنما تنبع من الدين الحق ومن حقائق الإيمان، فهي لنا وللمؤمنين جميعاً، بينما دخلت فينا أخلاق رذيلة وسجايا فاسدة، فترى ذلـك الأناني الّذي فينا يقـول: "إذا متّ ظمآناً فلا نزل القطر، وإن لم أر السعادة فعلى الدنيا العفاء" فهذه الكلمة الحمقاء إنمـا تنبع من عدم وجود الدين ومن عدم معرفة الآخرة…
وبسبب عدم تيقظ أناس منّا، وبحكم أخذنا الأخلاق الفاسدة مـن الأجانب فإن هناك من يقول: "نفسي نفسي" مع ما في أمتنا الإسلاميّة من سمو وقدسيّة، فألف رجل مثل هذا الشخص الّذي لا يفكّر إلاّ بمصلحته الشخصيّة ولا يبالي بمصلحة الأمة، إنمـا ينـزل بمنـزلة شخص واحد)( ).
هذا وقد حدّد الأستاذ النورسي علاجاً مناسباً لداء الأنانيّة حيث يقول: ((من كانت همّته نفسه فليس من الإنسان لأنّه مدنيّ بالطبع، فهو مضطرّ لأن يراعي أبناء جنسه، فإنّ حياته الشخصيّة يمكن أن تستمرّ بحياته الاجتماعيّة، فمثلاً: إنّ الّذي يأكل رغيفاً عليه أن يفكّر كم يحتاج إلى الأيدي التي تحضر له ذلك الرغيف فهو يقبّل تلك الأيادي معنى، وكذا الثوب الّذي يلبسه كم من الأيادي والآلات والأجهزة تضافرت لتهيئته وتجهيزه، وقيسوا على منوال هذين المثالين لتعلموا أنّ الإنسان مفطور على الارتباط بأبناء جنسه من النّاس لعدم تمكّنه من العيش بمفرده وهو مضطرّ إلى أن يعطي لهم ثمناً معنويّاً لدفع احتياجاته، لذا فهو مدنيّ فطرة، فالّذي يحصر نظره في منافعه الشخصيّة وحدها إنّما ينسلخ من الإنسانيّة ويصبح حيواناً مفترساً))( ).
إذاً يجب على الإنسان أن يتذكّر دوماً أنّه ليس هو وحده الّذي يعيش في هذه الحياة، بل هناك أناس آخرون مثله، وهم أيضاً بحاجة إلى كلّ ما يحتاج إليه هو من حاجات ومنافع، كما عليه أن لا ينسى أنّ الإنسان _أي إنسان_ لا يمكنه أن يستغني عن الآخرين مهما أوتي من الأسباب المادّية والمعنويّة، فالبشر يحتاج بعضهم بعض، هكذا هي الحياة، ولكي تستمرّ الحياة على هذا الكوكب فلا بدّ من أن تتكاتف الجهود والمساعي، وأن يكمّل بعضنا بعضاً، ويساعد بعضنا بعضاً، ويحمل بعضنا هموم بعض والقيام بالعمل الجاد على إزالتها والعيش معاً في مجتمع يسوده الحبّ والمودّة والإيثار.
كانت تلك أخطر الأمراض الاجتماعيّة التي ابتلي المسلمون بها ولا يزالون والتي حذّرنا الأستاذ النورسي منها، وشخّصها لنا وبيّن أضرارها ومخاطرها على الأمّة الإسلاميّة، وحدّد الدواء الناجع لكل منها بحكمة بالغة ودهاء منقطع النظير عسى أن تستخدمه الشعوب الإسلاميّة فتظفر بالفوز في الدارين، وإلاّ فتكون عواقبهـا وخيمة عليهم في الدنيا قبـل الآخرة.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص491.
( ) نوري طعمة، المشكلة الاجتماعيّة المعاصرة، ط2، بيروت_لبنان، الدار الإسلاميّة للطباعة والنشر والتوزيع، 1400هـ-1980م، ص46.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص505.
( ) د. محمود البستاني، دراسات في علم النفس الإسلامي، ط2، بيروت_لبنان، دار البلاغة، 1411هـ/1991م، ص38.
( ) يوسف، 87.
( ) الممتحنة 18.
( ) البقرة، 142.
( ) إنّ هذه النبوءة التي تنبأ بها الأستاذ سعيد النورسي بدأت تظهر وتتحقق شيئا فشيئاً، حيث بدأت تركيا تلعب دورا كبيرا في الأحداث الراهنة، وبدأت تستعيد قوتها وهيبتها بين الدول بعد عقود من الركود والتهميش، أما العرب فقد بدأ ربيعهم بالظهور وهو ربيع الإسلام، حيث تمكنت العديد من الشعوب العربية من القضاء على الأنظمة الفاسدة التي كانت تحكمهم بقوة النار والحديد والقهر والطغيان.
( ) لقد كان الأستاذ سعيد النورسي رحمه الله يعقد آمالاً كبيرة بخدمة العرب للإسلام لذلك كثيراً ما تراه يخاطبهم ويبيّن دورهم الرّيادي في قيادة الأمّة الإسلاميّة على مرّ العصور، وكان يحاول أن يستنهض هممهم ويبثّ روح الحماس فيهم ويذكّرهم بعظم أهمية دورهم ومكانتهم في الإسلام، ومن تلك الخطابات التي وجّهها الأستاذ النورسي للأمّة العربيّة قوله في الخطبة الشاميّة التي ألقاها في الجامع الأموي بدمشق سنة 1911م:
"يا أيها الإخوان العرب…ما قمت هذا المقام لإرشادكم لأنّه فوق حدّي، بل مَثلي معكم كمثل صبيّ ذهب إلى المدرسة ثمّ رجع في المساء إلى أبيه فعرض درسه على أبيه، نعم نحن الأكراد صبيان بالنسبة إليكم، وأنتم أساتيذنا…يا معشر العرب: إنّ أوّل من يخاطب بهذا الكلام أنتم بأنكم أساتيذنا، وكنتم أئمّتنا، وحماة الإسلاميّة…فذنبكم أعظم وأعظم… وحسنتكم هي العليا".
إذاً فالعرب قد مارسوا دورهم الريادي في قيادة الأمّة الإسلاميّة قبل الآن، ويجب عليهم أن يعودوا لتسلّم ذلك الدور مرّة أخرى ولا غرابة في ذلك فالقرآن الكريم نزل باللغة العربيّة، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان عربيّ النسب، والصحابة الّذين التفّوا حوله وناصروه كان أغلبهم من العرب، والعلماء والقادة الّذين خدموا الإسلام بعد ذلك كان أكثرهم من العرب، لذلك يحرم إنكار دور العرب في خدمة الإسلام والمسلمين، وما ينكر دورهم إلاّ مكابر جاحد.
هذا وقد تباينت المواقف إزاء مسألة ريادة العرب ومكانتهم في الإسلام، فقد غالى قوم في ذلك بينما جافى آخرون، فالمغالون حصروا الخيريّة في العرب فقط، ونسبوا كلّ حسنة وإيجابيّة إليهم وألغوا دور الأقوام الأخرى في خدمة الإسلام، وإذا ما نبغ أحد العلماء أو القادة غير العرب في مجال من المجالات فيحاولون بشتى الوسائل نسبته إلى القوميّة العربيّة، أمّا المجافون فقد فعلوا العكس تمامـاً حيث أنكروا دور العرب جملة وتفصيلاً، ونسبوا كلّ الحسنات والإيجابيّات إلى الأقوام غير العربيّة، كما ادعوا أنّ أغلب العلماء والقادة والزعماء المسلمين الّذين اشتهروا بعروبتهم ليسوا عرباً بل هم من القوميّات الأخرى غير العربيّة، وأنا لست مع هؤلاء ولا أولاء بل يجب إنصاف الجميع، وعدم إنكار دورهم، وأرى أنّه لا يمكن الفصل بين العرب والإسلام بحال من الأحوال، فالعرب بالنسبة للإسلام بمثابة حجر الرّحى في الطاحونة.
بقي لدينا الإشارة إلى أمر هام في هذه القضيّة ألا وهو: بما أنّ الإسلام خاتم الأديان، وهو دين عالميّ كما قال تعالى: }وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين{ لذلك فإنّ جميع الشعوب والقوميّات _من عرب وكرد وترك وفرس وبربر_ ساهمت في خدمة الإسلام والمسلمين، وشارك الكلّ في بناء صرح الإسلام والذود عنه كلّ حسب قدرتها وطاقتها وعلمها.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص492.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، الملاحق، ص495.
( ) رواه الإمام أبو داود في سننه، كتاب الفتن، الباب الأوّل.
( ) رواه الإمام أحمد في مسنده، ج4، ص103.
( ) الدكتور عبد الله عزّام، الإسلام ومستقبل البشريّة، ط4، الزرقاء _ الأردن، مكتبة المنار، 1407هـ-1987م، ص67.
( ) سيّد قطب، المستقبل لهذا الدّين، بيروت_لبنان، دار الشروق، د.ت، ص114.
( ) النحل، 116.
( ) غافر، 28.
( ) رواه الإمام مسلم، صحيح مسلم، كتاب البرّ_ باب تحريم الكذب، ص159.
( ) التوبة، 119.
( ) الأنعام، 119.
( ) رواه الإمام مسلم، صحيح مسلم، كتاب البرّ_ باب تحريم الكذب، ص159.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص506.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص509.
( ) البقرة، 67.
( ) الأنعام، 35.
( ) هود، 46.
( ) أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، القاهرة، الدار السلفيّة لنشر العلم، 1410هـ/19890م، ص413.
( ) الأنفال، 46.
( ) الشورى، 13.
( ) الدكتور عدنان علي رضا النحوي، بناء الأمّة المسلمة الواحدة، ط1، الرياض، دار الحوي للنشر والتوزيع، 1417هـ/1997م، ص227.
( ) إنّ الخلافة العثمانيّة رغم علاّتها كانت رمزاً لوحدة المسلمين وتماسكهم في ظلّها.
( ) محمد محمود الصوّاف، المخططات الاستعماريّة لمكافحة الإسلام، القاهرة، دار الاعتصام، 1979م، ص99 وما بعدها.
( ) عبد الله الطنطاوي، المصدر السابق، ص117.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، المكتوبات، ص349.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص493.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، سيرة ذاتيّة، ص117.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، اللمعات، ص184.
( ) لقد بيّن الأستاذ النورسي غرضه من الروابط النورانيّة بقوله: "إنّ أسباب المحبّة هي الإيمان والإسلام والإنسانيّة وأمثالها من السلاسل النورانيّة المتينة والحصون المعنويّة المنيعة". أنظر: بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص510.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، الملاحق، ص337.
( ) هو اسم لمجموعة من رسائل النور.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص511.
( ) لقد عانى الأستاذ النورسي معاناة كبيرة من الحكم الاستبدادي سواء في زمن العثمانيين أو في زمن سلطة الاتحاد والترقي أو الّذين جاءوا بعدهم، وكان الأستاذ النورسي يرى أنهم جميعاً كانوا مستبدين وإن تغيرت الأسماء والصيغ والأساليب، لذلك قال في المحكمة العسكريّة سنة 1909م: ((لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد [يقصد بذلك أيام حكم السلطان عبد الحميد الثاني] إلاّ أنها الآن تعادي الحياة بأكملها، فإن كانت الحكومة بهذا الشكل والمنطق فليعش الجنون وليعش الموت، ولتعش جهّنم مثوى للظالمين)).
( ) المشروطيّة أي الدستور، وقد سبق أن تحدثنا عنها في الفصل الأول من الباب الأول فليراجع.
( ) عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، القاهرة، المكتبة التجاريّة الكبرى، 1350هـ-1931م، ص66.
( ) ولعلّ الصواب خيرٌ.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، رجتة العوام، ص136.
( ) أنور الجندي، معلمة الإسلام، المجموعة الثالثة، بيروت_لبنان، المكتب الإسلامي، 1406هـ_1986م، ص97.
( ) الدكتور أحمد شوقي الفنجري، كيف نحكم بالإسلام في دولة عصريّة، القاهرة، الهيئة المصريّة للكتاب، 1990م، ص151.
( ) المصدر نفسه، ص151.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، سيرة ذاتيّة، ص85.
( ) لعلّه يقصد بذلك ما ورد في قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (64): }قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُاْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ{.
( ) ولعلّ الصواب تتلألأ.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، رجتة العوام، ص165.
( ) الأنبياء، 23.
( ) آل عمران، 159.
( ) عبد الرحمن الكواكبي، أم القرى، ص66.
( ) يقصد به قادة انقلاب جمعيّة الاتحاد والترقّي الّذين قاموا بالانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908م، وقد كان الأستاذ النورسي يحاول أن يقدّم لهم النصح والإرشاد ويحثّهم على الاستفادة من أخطاء السلاطين وعدم تكرارها إلاّ أنهم خيّبوا آمال النورسي حيث فاق استبدادهم استبداد السلاطين وبذلك زادوا الطين بلّة.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، سيرة ذاتيّة، ص81.
( ) الشيخ راشد الغنّوشي، الحرّيّات العامّة في الدولة الإسلاميّة، ط1، بيروت_لبنان، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1993م، ص226.
( ) الشيخ راشد الغنّوشي، المصدر السابق، ص222.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، اللمعات، ص250.
( ) التغابن، 16.
( ) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق نديم مرعشلي، بيروت لبنان، 1392هـ/1972م، ص5.
( ) أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة، مدارج السالكين، القاهرة، دار الحديث، د.ت، ص309.
( ) الراغب الأصفهاني، المصدر السابق، ص5.
( ) ابن القيّم، مدارج السالكين، ص309.
( ) التغابن، 16.
( ) ابن القيّم، مدارج السالكين، ص304.
( ) الدكتور عمر سليمان الأشقر، نحو ثقافة إسلاميّة أصيلة، ط8، عمّان_الأردن، دار النفائس، 1421هـ/2000م، ص60.
( ) الدكتور محمّد عمارة، الإسلام بين التنوير والتزوير، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1416هـ/1995م، ص97.
( ) يقصد بهم المتغرّبين.
( ) منير شفيق، في الحداثة والخطاب الحداثي، ط1، بيروت_لبنان، المركز الثقافي العربي، 1999م، ص167.
( ) يقصد بهم الأوروبيين الّذين أخذوا من المسلمين الخصال الحميدة وأعطوهم مقابل ذلك خصالهم الرذيلة والدنيئة.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص513.
( ) بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام، ص513.