الجمهورية التركية
جامعة بينكول _ كليّة الإلهيات
ملا يحيى المزوري ودوره الإصلاحي بين مولانا خالد النقشبندي والشيخ معروف النودهي
د.آزاد سعيد سمو
إقليم كردستان العراق/جامعة دهوك ـ كلية العلوم الإنسانية
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وبعد:
لقد شهدت الإمارة البابانيّة في بداية العقد الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدا في سنة 1811م صراعاً مريراً بين الطريقة النقشبنديّة بريادة مولانا خالد النقشبندي( ) والطريقة القادريّة بريادة الشيخ معروف النودهي( ) رحمهما الله تعالى، واستمر ذلك الصراع والنزاع سنوات عدّة مما حدا بمولانا خالد النقشبندي إلى ترك مدينة السليمانية عاصمة الإمارة البابانيّة عدة مرّات إلى أن قرّر المغادرة من المنطقة بصورة نهائيّة حيث توجّه إلى بلاد الشام واستقرّ في مدينة دمشق بصورة دائمية إلى أن توفاه الله تعالى سنة 1827م.
قبل عودة مولانا خالد من بلاد الهند سنة 1811م كانت الطريقة القادرية التي كان الشيخ معروف النودهي يقودها منتشرة وسائدة في طول البلاد وعرضها، وكان للشيخ النودهي مكانة رفيعة، وكلامه لا يردّ في جميع أنحاء الإمارة البابانيّة، ولكن بعد وصول مولانا خالد إلى السليمانيّة عائدا من الهند بدأ الناس يتبعون الطريقة النقشبندية التي جاء بها مولانا خالد النقشبندي، وازداد أتباع مولانا خالد ازديادا ملحوظا فأثر ذلك في الشيخ النودهي الذي كان يمتلك زمام الزعامة الدينية من خلال مشيخته للطريقة القادرية التي كانت منتشرة في البلاد، وهنا بدأ الصّراع يتفاقم بين الشيخين، ويبدو أنّ الشيخ معروف النودهي اتخذ موقف الهجوم حيث حاول التقليل من قدر وشأن مولانا خالد، وكال له عدداً من التهم، وألّف هو وعدد من أتباعه رسائل في بيان مثالب مولانا خالد النقشبندي وطريقته الطريقة النقشبنديّة، في حين تبنّى مولانا خالد النقشبندي موقف المدافع، وتكفّل عدد من مقرّبيه وغيرهم بالرد على الشيخ معروف النودهي وأتباعه، وفندوا تلك التهم الواحدة تلو الأخرى.
هذا وقد تباينت مواقف العلماء من الصراع الدائر بين مولانا خالد النقشبندي والشيخ معروف النودهي، حيث أيّد بعضهم مولانا خالد وناصروه، بينما أيّد آخرون الشيخ النودهي، في حين تبنّى آخرون موقف الحياد ولم يؤيّدوا أياً من الطرفين، وربّما يعود سبب ذلك إلى اجتهاداتهم الشخصيّة من جهة، ومن جهة أخرى إلى قربهم وبعدهم من أحد طرفي النزاع، وهناك من العلماء من كان مؤيداً لأحد الطرفين إلاّ أنه تحول إلى الطرف الآخر إما بسبب قناعته بهذا الشيخ وآرائه، وإما أنه لم يجد بغيته عند هذا فيتحول إلى الآخر عساه يجد عنده ضالته المفقودة، وبناء عليه يمكننا أن نقسّم موقف العلماء إلى قسمين:
أولاً: العلماء المحايدون:
العديد من العلماء فضّلوا موقف الحياد وعدم التدخل في ذلك الصراع، وكان هذا القسم يرى أنّ ذلك الصراع لا يعنيهم باعتباره صراعاً بين طريقتين صوفيتين ليس إلاّ، وكان هذا القسم يعتقد بأن علماء الشريعة يجب أن لا يقعوا في مستنقع ذلك الصراع الذي شابه الكثير من التدخلات من قبل الساسة، والأمراء، وزعماء العشائر، وأصحاب المصالح في المنطقة، وكانوا يرون أنّ انحيازهم وتأييدهم لأحد طرفين النزاع سوف يضرّ بالتعليم الشرعي، والمدارس الشرعية، وسيحدث شرخا كبيراً بين العلماء وطلبة العلم الشرعي أنفسهم، وبناء عليه كانوا يرون بأنّ العلماء يجب أن يهتموا بالأمور العلميّة، والشرعية، وبيان الحلال والحرام، وتعليم الناس عموماً أمور دينهم.
ثانياً: العلماء المنحازون:
العديد من العلماء الآخرين انحازوا إلى أحد طرفي الصراع، وسعوا بكل ما أوتوا من قوّة لنصرة أحد الشيخين، وكان هذا القسم من العلماء يعتقد بأنه يجب على علماء الشريعة أن لا يبقوا ساكتين تجاه تلك القضيّة التي كانت تشغل بال المجتمع بأسره، وأنه يجب عليهم بيان الحقّ من الباطل، والصالح من الطالح، والمصيب من المخطئ، وبناء عليه اجتهد كل واحد من أفراد هذا القسم من العلماء فانحاز بعضهم إلى مولانا خالد النقشبندي، بينا انحاز آخرون إلى الشيخ معروف النودهي، وعندما نتأمل في مواقف العلماء تجاه الصراع بين مولانا خالد والشيخ النودهي نرى بوضوح أنّ العلماء الّذين أيدوا الشيخ النودهي كان موقفهم هجوميّاً حيث ألّفوا الرسائل _بحثّ وتحريض من الشيخ معروف النودهي_ في تكفير وتضليل وتفسيق مولانا خالد النقشبندي، وقد تبنّى العديد من علماء السليمانيّة وغيرهم هذا الموقف وعددهم يفوق بكثير عدد الّذين سوف نذكرهم على سبيل المثال، والدليل على ذلك الرسالة التي وجهت إلى الملاّ يحيى المزوري ودعته للمجيء إلى السليمانية لإفحام مولانا خالد كانت باسم أكابر علماء السليمانيّة.
أما موقف العلماء المؤيدين لمولانا خالد النقشبندي فيغلب عليه طابع الدفاع والردّ على أقاويل واتهامات خصوم مولانا خالد، والأمر الآخر الّذي تميّز به مؤيّدوا مولانا خالد هو أنهم قاموا بالدفاع عن مولانا خالد والردّ على الطرف المهاجم طواعية دون حثّ أو طلب من مولانا خالد النقشبندي.
وفيما يأي ذكر لبعض النماذج من المساجلات والاتهامات والردود بين مؤيدي مولانا خالد ومؤيدي الشيخ النودهي، فقد حثّ هذا الأخير العلماء المشهورين للردّ على مولانا خالد ومن أولئك العلماء الشيخ عثمان جليل الموصلي( ) الّذي ألّف كتاباً في الردّ على مولانا خالد سمّاه (دين الله الغالب على كل منكر مبتدع كاذب) وبالمقابل قام مفتي العراق محمد أمين السويدي( ) وبطلب من والي بغداد (سعيد باشا) بالرد على الشيخ (عثمان الموصلي) حيث ألّف كتابا سماه (السهم الصائب في من سمّى الصالح بالمبتدع الكاذب).
ومن العلماء الذين أيدوا الشيخ معروف النودهي عبد الوهاب السوسي( ) حيث اتهم مولانا خالد بالكفر والزندقة فردّ عليه الفقيه محمد أمين بين السيد عمر عابدين الحنفي( ) بكتاب سماه (سلّ الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي).
هذا وممن انبرى من العلماء للدفاع عن مولانا خالد النقشبندي ثلّة من العلماء المشهورين منهم عبد الله بن عبد الرحمن الجلي الشهرزوري( ) حيث كان مدرسا في كويسنجق، وعلي عبد الله الحيدري( ) ردّ على الشيخ معروف النودهي بإشارة من والي بغداد (سعيد باشا)، وكذلك محمد أمين بن محمد صالح الطبقجلي( ) حيث ألّف رسالة بعنوان: (القول الصواب بردّ ما سمي بتحرير الخطاب) ردّ فيها على رسالة بعنوان (تحرير الخطاب في الردّ على خالد الكذّاب) التي ألفها الشيخ معروف النودهي والتي يقول عنها عبد المجيد الخاني بأنها "مُلئت منكرا من القول وزورا وأرسلها مع سعاة الفساد إلى سعيد باشا والي بغداد متّخذين الجرأة فيها على تكفيره لتنفيره منه سبباً ﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً﴾( ) فلّما قرأ الوزير الرسالة المذكورة ألقاها من يده وقال: إن لم يكن حضرة الشيخ خالد مسلما فمن المسلم؟ سبحان الله ما صاحب هذه الرسالة إلاّ مجنون أو أعمى الله تعالى بصيرته من شدّة حسده نعوذ بالله نعوذ بالله، وأمر بعض العلما بردّ ذلكم الافتراء"( ).
هذا ويعد الملا يحيى المزوري واحدا من العلماء الذين دخلوا في ذلك الصراع بصورة مباشرة بغية لعب دور إصلاح ذات البين بين طرفي النزاع، حيث سافر إلى مدينة السليمانية، وقطع مئات الأميال للوقوف على أسباب وملابسات القضية من قريب، ولكي يتسنّى له فيما بعد معالجة المشكلة بصورة مرْضيّة.
د.آزاد سعيد سمو/دهوك
16/5/2012
المبحث الأول
ترجمة ملا يحيى المزوري
حياتـــه ونشأتــــــه العلميّة:
هو يحيى بن حسين المزوري من قرية (بالاته) القريبة من محافظة دهوك، لم أقف على تاريخ محدّد لولادته، حيث إنني لم أر أحداً ممن تطرّق للحديث عن حياته يذكر تاريخا معيّنا لولادته، ولكننا نستطيع القول بأنّ ولادته قريبة من سنة (1733) بالقرينة الآتية: إذا كنّا نعلم أن وفاته كانت سنة (1833)، وأنّ الكثير من الباحثين المختصين الذين كتبوا عن ملا يحيى المزوري يقولون بأنه كان معمّرا وقد عاش مئة سنة تقريبا، وبناء عليه لو طرحنا المئة عام التي عاشها من سنة وفاته وهي سنة (1833) يصبح تاريخ ولادته قريباً من سنة (1733).
الملا يحيى معروف عند العلماء بـ (ملا يحيى المزوري) نسبة إلى عشيرة المزوري، "وتمتاز هذه العشيرة بانتماء نخبة من العلماء إليها، وعلى سبيل المثال لا الحصر نخص بالذكر منهم الملا حسين الشيفكي( ) صاحب الفتاوى الشهيرة، والملا عبد الله الربتكي( ) "( )، وينسب الملا يحيى إلى العمادية لأنه دَرَسَ ودَرّسَ وأقام فيها مدة من الزمن، يقول عنه الشيخ عبد الكريم المدرس: "...وأخذ منه جميع علماء العراق ممن في عصره، وهو شيخ مشايخ العراق، وكان عندهم بمنزلة الشيخ ابن حجر، وقد قرأ تحفة المحتاج للشيخ ابن حجر أكثر من ثلاثين مرّة، وبلغ من العمر قريبا من مائة سنة، وأقرأ تفسير البيضاوي مع حواشيه كذلك ودرس العلوم النقلية والعقلية وكُتُب الحديث سبعين مرّة"( )، وينقل الشيخ عبد الكريم المدرس عن خليل مردم بيك في كتابه أعيان القرن الثالث عشر قوله: "الشيخ يحيى المزوري العمادي، أصله من العمّادية من قرى الأكراد قرب الموصل، برز في التدريس، وصار عليه المعول في مذهب الإمام محمد بن ادريس، وكان أحد مشايخ الشهاب الآلوسي( ) مفتي العراق الذي أثنى على زهده وعلو نفسه، وخصّه ببيتين قيلا في الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه:
عليّ ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا
وفيهنّ نفس لو تباع بمثلها نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا"( )
لم يستقر الملا يحيى المزوري في منطقة بل تجوّل في الكثير من البلدان والمدن لطلب العلم والالتقاء بالعلماء وطلبة العلم حيث انتقل إلى مدينة الموصل، ورحل بعد ذلك إلى بغداد واستقرّ فيها مدة من الزمن، ودرّس وأفتى في الحضرة القادرية هناك، كما سافر إلى دمشق، والقدس، والحجاز، وسافر إلى السليمانية، والتقى بعلماءها فأعجبوا به أيما إعجاب.
هذا وبعد تحصيله للعلوم ونيله الإجازة العلميّة "تفرّغ للتدريس، ودرّس في أكثر من بلد، في الموصل والعمادية وبغداد وغيرها، وعندما أنشأ والي الموصل محمد مدرسة في جامعه وسماها دار الحديث استدعى الملا يحيى ليكون مدرسا فيها، فبقي هناك مدة حتى ذاع صيته واشتهر، وقصده كثير من الطلاب، ثمّ إن أمير العمادية مراد خان بن إسماعيل باشا الذي كان له حظ من العلم والفقه ومحبا للعلماء مُقدّرا لهم قد دعا المترجَم له إلى العمادية ليكون مدرساً فيها، وبنى له مدرسة عرفت بالمدرسة الجديدة، ثم بمدرسة الملا يحى"( ).
هذا وقد خلّف ملا يحيى وراءه ذريّة طيبة حيث بارك الله تعالى له في ذريّته فأنجب عدداً من الأنجال المشهود لهم بالعلم والصلاح وهم: الملا أحمد وكان عالما جليلا وهو الذي تولّى التدريس بعد وفاة والده، ومحمد صالح، ومحمد سعيد كان عالما وشاعرا، وخالد، وطه، وعبد الله، وسليم، ومصطفى، بالإضافة إلى عدد كبير من الأحفاد، ولقد كان جلّ أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده من العلماء والأشراف.
شيوخــه:
لقد تتلمذ الملا يحيى المزوري على يد خيرة علماء عصره في الموصل وبغداد والشام، وما يتبادر إلى ذهنه وجود عالم شهير إلا ويقصده بغية أخذ العلم على يديه والتعلم منه، هذا وقد ذكر الملا يحيى المزوري بعضهم في نصّ إحدى إجازاته العلميّة حيث يقول بعد ذكر أهم العلوم والمعارف التي درسها وتعلّمها: "أخذت ذلك جميعه قراءة وسماعاً، وحضوراً وإجازة من مشايخي الأعلام أئمة الهدى والإسلام، وهم كثيرون ولا بأس بالتعرض لذكر بعضهم رجاء لعود بركتهم فأقول:
أجلّ مشايخي الذين انتفعت بهم ورويت عنهم سيدي الشيخ الإمام العلامة الشيخ محمد بن الشيخ عبد الرحمن الكزبري( )، ومنهم سيدي الشيخ الإمام الشيخ أحمد بن عبيد العطّار( )، ومنهم سيدي الشيخ الإمام العلامة الشيخ محمد بن بدير المقدسي( )، وأما أسانيدي في كتب الحديث والتفاسير وغيرها من كتب الفقه والكلام، والعلوم الآلية فكثيرة جدا، متنوعة بأنواع شتى، وقد تكفلت بها إثبات مشايخي ومشايخهم، فلا حاجة بالإطالة بذكرها"( ).
ومن شيوخه أيضاً: الشيخ عبد الهادي الكزبري الشامي( )، والعلاّمة عاصم بن إبراهيم الحيدري( ) "الذي درس عنده المزوري أطول فترة"( ).
تلامذتــه:
لقد تتلمذ على يد الملا يحيى المزوري الآلاف من طلبة العلم ومن شتى المناطق والبلدان حيث درّس المزوري في العمـاديّة والموصل وبغداد وغيرهـا من المناطق، وفيا يأتي ذكر لأسماء بعض من تلامذتــه المشهورين وهم:
1- إبراهيم فصيح الحيدري( ).
2- الشيخ نور الدين البريفكاني( ).
3- الملا قاسم الضرير( ).
4- الملا أحمد البامرني( ).
5- الشيخ عبد السلام البارزاني( ).
بالإضافة إلى عدد من أنجاله الذين تتلمذوا على يديه ومنهم: الملا عبد الله، والملا محمد سليم، والملا طه، والملا أحمد.
آثاره العلميّــة:
أما بالنسبة للآثار العلميّة التي تركها لنا الملا يحيى المزوري فقد أحصاها الأستاذ محمد علي القرداغي( ) وهي:
1- شرح قصيدة مغبجة للملا الجزري.
2- حاشية على الربع الأول من التحفة.
3- رسالة في كلمة التوحيد باللغة الفارسية.
4- مجموعة من فتاواه ضمن كراس صغير.
5- حاشية على فرائض ابن حجر.
6- رسالة المولد.
7- حلّه لبعض الألغاز.
8- مجموعة إجازات.
9- فتوى حول مسألة غصب ظالم شاة وذبحه إياها، ثمّ أكل منها رجل هل تسقط عدالته؟
10- مسائل فقهية.
11- حواشيه على تحفة ابن حجر.
12- مجموعة رسائل الشيخ المزوري إلى الشيخ معروف النودهي.
المبحث الثاني
منهجه الإصلاحي بين مولانا خالد والشيخ النودهي
إنّ بداية دخول الملا يحيى المزوري بين طرفي النزاع تعود إلى الرسالة التي بعث بها كبار علماء السليمانية إلى الملا يحيى لكي يسعفهم و ينجدهم من مولانا خالد النقشبندي الذي حار علماء السليمانية في أمره، وعجزوا عن الردّ على ضلالاته!! حسب زعمهم، فأرسلوا للملا يحيى تلك الرسالة، وعندما وصلت الرسالة إلى يد الملا يحيى المزوري قام من فوره واصطحب معه ثلّة من تلامذته وتوّجه إلى مدينة السليمانيّة لمعالجة هذا الخطر الداهم، والتصّدي لأباطيل ذلك الشيخ!! وإيقافه عند حدّه، وعندما وصل إلى السليمانيّة استقبله العلماء وطلبة العلم، وقبّلوا يديه وقدميه، وحاول كل واحد منهم أن يتشرّف باستضافته إلاّ أنّ الملا يحيى أبى إلاّ أن يلتقي من فوره بمولانا خالد النقشبندي للوقوف على حقيقة أمره، فلّما وصل إلى زاوية مولانا خالد استقبله هذا الأخير، وأكرمه وأجلسه بجواره، وقبل أن يبدأ الملا يحيى بطرح الأسئلة العلميّة التي كان قد أعدّها ورتّبها لكي يوجهها إليه، بدأ مولانا خالد بالكلام فقال: إنّ في العلوم مشكلات كثيرة، منها كذا وجوابه كذا، ومنها كذا وجوابه كذا وكذا إلى أن فرغ من جميع المسائل التي كانت في ذهن الملا يحيى المزوري، فما كان من المزوري إلاّ أن انكبّ على يدي مولانا خالد وقدميه وقبّلهما، وطلب منه العفو والسماح، فهيّأ له مولانا حجرة، وقرّبه منه، واتخذه خليفة له وبذلك أصبح الملا يحيى المزوري واحداً من أقرب المقرّبين لمولانا خالد النقشبندي.
بعد هذه الحادثة بدأ الملا يحيى المزوري بدوره الإصلاحي بين مولانا خالد النقشبندي والشيخ معروف النودهي وذلك من خلال سبع أو ثمان رسائل بعث بها إلى الشيخ معروف، ومن خلال دراسة تلك الرسائل يتضح لنا منهج الملا يحيى المزوري في دوره الإصلاحي بين مولانا خالد والشيخ النودهي، ويمكننا أن نلخص ذلك المنهج بما يأتي:
أولاً: وضوح الموقف:
لقد تبنى الملا يحيى المزوري منذ الوهلة الأولى لدخوله كطرف إصلاحي بين المتخاصمَين _مولانا خالد النقشبندي والشيخ معروف النودهي_ موقفاً واضحاً بيّناً حيث أعلن أنّه يرى بأنّ مولانا خالد النقشبندي بريء من التهم التي ألصقت به، وأنّه ليس كما يدّعي خصومه وحسّاده من أنه يتعاطى السحر والشعوذة التي تعلمها في الهند ويستخدمها للتأثير على الناس، وأنّه أتى بأمور غريبة وخالف العلماء المعتبرين، واعترف بأنّه عالم قدير ومتمكّن، فقال في مستهلّ المكتوب الرابع الّذي أرسله إلى الشيخ النودهي: "يا أخي الشفيق فليكن معلوما لدى جنابك الرفيع أنّ شيخنا ومولانا خالد _قدّس سرّه العزيز_ لا يدّعي دينا غير الدين الحقّ الذي عليه النبي _صلى الله عليه وسلّم_وأصحابه وتوابعهم والعلماء والمتدينون بدينهم كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، ومالك (رضي الله عنهم)، وكابن عبد السلام، والشيخ الغزالي، والسبكي، والأسنوي، والنووي، والشيخ ابن حجر، إلى غير ذلك مما يطول"( ).
وكذلك بيّن رأيه في طريقته وهي الطريقة النقشبندية من أنّها طريقة سليمة، وبعيدة عن شطحات الجهلة الذين يشوهون صورة الطرق الصوفيّة، فقال في المكتوب الرابع: "ثم إن كان إنكاركم عليه _قدّس سرّه العزيز_ من حيث الطريقة، فالطريقة النقشبندية _قدّس الله تعالى أسرار أهاليهم_ سابقة عليه _قدّس سرّه العزيز_ شهيرة وقد أثنى الشيخ ابن حجر _رحمه الله تعالى_ عليها حيث قال: الطريقة العالية السالمة عن كدورات جهلة الصوفية الطريقة النقشبندية، بل هي مأخوذة من مشرب أفضل البشر بعد النبيين _صلوات الله عليهم أجمعين_ أبي بكر الصديق _رضي الله تعالى عنه_"( ).
ثانياً: تكرار المحاولات الإصلاحيّة:
لم يكتف الملا يحيى المزوري في جهوده الإصلاحيّة بين مولانا خالد والشيخ النودهي بمحاولة أو اثنتين، بل كرّر محاولاته بإرسال سبع أو ثمان رسائل إلى الشيخ معروف النودهي، والملا يحيى بموقفه هذا إنّما يوافق منهج المصلحين الحكماء، الذين يعتقدون بأنّ المصلح الناجح الموفق هو الذي يكرر المحاولة المرّة تلو الأخرى، وليس كما يفعل البعض حيث يحاولون القيام بالإصلاح بين المتخاصمين مرّة أو اثنتين، فإذا لم تؤت محاولاتهم أكلها، ولم يتحقق الإصلاح تركوا مساعيهم، ويئسوا من تحقيق المصالحة، وهذا المنهج منهج خاطئ، فكلّ إنسان يمتلك طبيعة ونفسية قد تختلف عن غيره اختلافاً كبيرا، فالشخص الذي ينفع معه أسلوب ما قد لا ينفع الأسلوب ذاته مع آخرين، وقد يتأثّر شخص معين بأسلوب معين، فهذا لا يعني أنّ غيره أيضاً سوف يتأثّر به لا محالة! لذلك يجب على دعاة الإصلاح تنويع الوسائل والأساليب وتكرارها مع الأطراف المتخاصمة.
من خلال دراسة تلك الرسائل التي أرسلها الملا يحيى المزوري إلى الشيخ معروف النودهي يتبيّن لنا أنه قد تطرّق إلى سائر الأمور التي كانت سبباً للصراع والنزاع بين مولانا خالد والشيخ النودهي، فقام الملا يحيى بتناول تلك القضايا بأسلوب علميّ رائع، مستنداً إلى الأدلة العلميّة، ومستأنساً بآراء كبار العلماء المعتبرين، وأقطاب التصوّف الذين يشهد الجميع بفضلهم، ونزاهتهم، واستقامتهم.
ثالثا: الاستشهاد بآراء العلماء المعتبرين:
رغم كون ملا يحيى المزوري واحداً من أشهر وأكبر علماء عصره في المنطقة إلى درجة أطلق عليه لقب (شافعي زمانه) إلاّ أنه في مكتوباته التي أرسلها إلى الشيخ معروف النودهي كثيرا ما كان يستشهد بأقوال العلماء والشيوخ العارفين أمثال الشيخ ابن حجر، والإمام الغزالي، والجنيد البغدادي وغيرهم رحمهم الله تعالى، ويبدو أنّ الملا يحيى المزوري كان ينوي بعمله هذا تحقيق هدفين اثنين:
أولهما: دفع شبهة أنّه _أي الملا يحيى_ هو واحد من أتباع ومريدي مولانا خالد النقشبندي لذلك فهو ينحاز إلى شيخه، ويدافع عنه وينتقد الشيخ معروف النودهي.
ثانيهما: إنّ الملا يحيى باستشهاده بأقوال العلماء المعتبرين المشهورين يلزم الشيخ معروف النودهي الحجّة، إذ لا أحد ينكر مكانة أولئك العلماء الكبار المعتبرين لدى جميع الطرق الصوفيّة.
رابعاً: استخدام العبارات الليّنة:
كثيراً ما كان الملا يحيى المزوري يستخدم في مخاطباته للشيخ معروف النودهي عبارات رقيقة ولطيفة لكي يؤثّر فيه ويردعه عن معادات مولانا خالد النقشبندي، فقد استخدم كلمة (أخ) إثنتا عشرة مرّة، "وعبارة (يا أخي) التي تلاحظها في موقعها تتقطّر حنانا، وتبعث على المودّة والاطمئنان، مما يجعل المقابل يفكّر عميقاً بأنه إذا كان أحد أتباع مولانا خالد في هذه الدرجة من العلميّة، ويكبر شيخه بحدود خمسين سنة من العمر يتمتع بهذا القدر من الأدب الرفيع، والتواضع البالغ، لا يمكن أن يكون شيخه إلاّ أحد المؤدبين الأفاضل، وطريقته مدرسة لتخريج أمثال ذلك الشيخ الكبير"( ).
من المعلوم لدى الجميع أنّ لأسلوب الكلام، وانتقاء الألفاظ والعبارات تأثير كبير على الطرف المقابل _سلباً وإيجاباً_فاستخدام الأسلوب الجاف، وانتقاء العبارات المؤذية الجارحة حتما سيزيد من تعنّت المسيء، ويحمله على الإصرار على خطئه حتى وإن تبين له بما لا يدع مجالا للشك بأنه مخطئ، وبالمقابل فإنّ استخدام الأسلوب الراقي الليّن، وانتقاء عبارات الاحترام والتوقير من شأنها أن تعيد المخطئ إلى الطريق الصواب، أو ستقلّل من حدّة الصراع والنزاع على أقلّ تقدير، وصدق الله تعالى حينما قال: ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم﴾( )، لذلك فقد كان الملا يحيى حريصا على استخدام أروع عبارت الاحترام والتوقير في مخاطبته للشيخ النودهي، منها على سبيل المثال قوله في ثنايا المكتوب الخامس: "...لكن نرجو العفو إن وقع منّا سوء أدب فيما كتبنا"( )، إنّ هذا الأسلوب الذي استخدمه الملا يحيى مع الشيخ النودهي كان واحداً من أبرز الأسباب التي حملت النودهي على الاعتذار من مولانا خالد، وطلب الصفح والسماح منه رحمهما الله تعالى.
خامساً: اللجوء إلى استخدام بعض العبارات القاسية:
إذا كان استخدام العبارات الرقيقة واللّينة لها أثر إيجابي كبير على المتخاصمين فهذا لا يعني ترك استخدام العبارات القاسية البتّة، لذلك نرى الملا يحيى المزوري يلجأ في بعض الأحيان في خطاباته الموجهة إلى الشيخ معروف النودهي إلى استخدام عبارات قاسية نوعاً ما، وكانت تلك العبارات بمثابة وخز الإبر في جسم الشخص المقابل بغية تنبيهه وإيقاضه من غفلته التي هو فيها، فعلى سبيل المثال يخاطب الملاّ يحيى المزوري الشيخ معروف النودهي في المكتوب الخامس: "يا أخي الشفيق موصل ما كتبت إلينا ظاهر في التعصّب والميل عن سبيل الاستقامة، فهذا هو الإنكار المنهي عنه، والإيذاء المضرّ المشار إليه في الحديث القدسي (من آذى لي وليّاً فقدآذنته بالحرب)( )، يضرّك دينا ودنيا بل يخشى منك سوء الخاتمة لأنّ إنكار الأولياء محاربة مع الله تعالى، ولا يحارب الله إلاّ كافر"( )!! في هذه الرسالة حذّر الملا يحيى الشيخ معروف النودهي من داء خطير ألا وهو التعصّب، ذلك الداء الذي يعمي صاحبه عن رؤية الحق، وسماع الصواب من القول، إنّ التعصب يحمل صاحبه على جعل الحق باطلاً والباطل حقاً، ويدفعه إلى الإصرار على باطله حتى وإن تبيّن له بصورة لا لبس فيها أنّه على باطل وأنّ خصمه على حقّ، كما حذّره من مغبّة محاربة أولياء الله الصالحين لأنها بمثابة محاربة الله تعالى والعياذ بالله.
وقال له أيضاً في ختام المكتوب السادس: " فتأمل يا أخي فيما كتبنا إلى جنابك الرفيع، وانصف ولا تشرب سمّ الإنكار على الأولياء فإنّه قاتل للشاربين"( )، وقال في ختام المكتوب السابع: "فانظر إلى آخر ما حرّرناه لك، واحذر عن محاربة الله تعالى"( )، إنّ الأسلوب الخشن والقاسي مع المخطئين أمر ضروري في بعض الأوقات لأنه ربّما لا يحسّ ذلك الشخص بأخطائه، أو لا يعترف بها أصلاً، لذلك فهو بحاجة إلى من ينبهه، ويهزّه هزّاً عنيفاً لكي يستفيق من تلك الغفلة، ويعود إلى رشده بعد غيّه، ويعترف بالحقيقة التي طالما أنكرها بسبب الغفلة والكبر والتعصّب.
الهوامش:
( ) الشيخ خالد النقشبندي (1778_1827م) خالد بن أحمد بن حسين النقشبندي، الكردي الشهرزوري (أبو الضياء) فاضل مرشد ومؤسس الطريقة النقشبندية في كردستان العراق وإيران والأناضول وسورية ولد في قرية (قره داغ) من بلاد شهرزور بكردستان العراق، والمشهور أنه من فخذ الميكائيلي من عشيرة الجاف الكردية، درس على يد والده وعلماء عصره المشهورين مثل ابن آدم، ونال الإجازة العلميّة من الشيخ محمد قسيم رئيس علماء سنه (سنندج) في كردستان.نقلاً عن: الصويركي، محمد علي، معجم أعلام الكرد، مطبعة مؤسسة حمدي للطبع والنشر، إقليم كردستان العراق_السليمانيّة، ص248.
( ) الشيخ معروف النودهي (1753_1838) الشيخ معروف بن الشيخ مصطفى بن أحمد النودهي الشهرزوري البرزنجي الحسني، من نوابغ وعباقرة الكرد، شاعر صوفي مرموق في منطقة السليمانية ولد بقرية (نودي) في قضاء (شهر بازار) بمنطقة السليمانية سنة 1753 وتوفي فبالسليمانية سنة 1838م. نقلاً عن: الصويركي، محمد علي، معجم أعلام الكرد، ص719. وانظر أيضاً: مصطفى، محمد صابر، النودهي وجهوده النحوية، وكذلك: الخال، محمد، الشيخ معروف النودهي البرزنجي.
( ) هو العالم والأديب الموصلي عثمان بك الجليلي، لم أقف على سنة وفاته.
( ) هو محمد أمين السويدي، أحد علماء العراق، له عدة مؤلفات، توفي سنة 1246هـ. نقلاً عن: موسوعة الرد على الصوفية، ج131، ص322.
( ) عبد الوهاب السوسي، كان من خلفاء مولانا خالد النقشبندي إلاّ أنه خرج عن أوامر مولانا خالد النقشبندي وأسس طريقة أخرى دون علم مولانا خالد، وأخذ ينشر الأقاويل بحق مولانا خالد مما اضظر هذا الأخير إلى طرده من الطريقة النقشبندية وتعميم ذلك الأمر على كافة خلفائه وأتباعه ومريديه.
( ) ابن عابدين: هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقيّ فقيه الشام ومفتيها، وكان من أبرز علماء المذهب الحنفي وأكملهم في عصره، ولد سنة (1784م =1198ه) اشتهر بتآليفه وفتاواه وحسن مواعظه وخطبه ومن أهم مؤلفاته كتاب (رد المحتار على الدر المختار) في خمسة مجلدات، وكتاب آخر باسم (مجموعة رسائل ابن عابدين) وهو 32 رسالة في علم الفقه والكلام والعقيدة وغيرها انتسب إلى الطريقة النقشبندية على يد حضرة مولانا خالد في دمشق توفي سنة (1252ه=1836م). نقلاً عن: الحيدري، إبراهيم فصيح، المجد التالد في مناقب الشيخ خالد، ص71.
( ) عبد الله الشهرزوري (..._1831م) هو عبد الله بن عبد الرحمن الجلي الشهرزوري الكردي، الشافعي، النقشبندي، مدرس، درس بكوي سنجاق، من آثاره" رسالة في إبطال ثواب صدقة من عليه دين مستغرق جميع ماله". نقلاً عن: الصويركي، محمد علي، معجم أعلام الكرد، ص389.
( ) لم أقف على ترجمته.
( ) الطبقجلي (1173-1232هـ =1760-1816م) هو محمد أمين بن محمد صالح الطبقجلي البغدادي الحنفي كان مفتيا لمدينة الحلّة له رسالة بعنوان (شرح الكلمة الطيبة).نقلاً عن: آيدن، فريد الدين، الطريقة النقشبندية بين ماضيها وحاضرها، ج1، ص 454.
( ) سورة الكهف، الآية 5.
( ) عبد المجيد الخاني، الحدائق الورديّة في حقائق أجلاّء النقشبنديّة، ص312.
( ) لم أقف على ترجمته.
( ) هوالملا عبد الله الربتكي الشهير الذي صار مدرساً في الموصل في آخر حياته وإليه ينتمي بيت المدرس وله مؤلفات عديدة. نقلاً عن: المايي، أنور، الأكراد في بهدينان، ط3، مطبعة هاوار، إقليم كردستان العراق، 2011، ص252.
( ) إبراهيم، نوري عبد الرحمن، ملا يحيى المزوري وجهوده العلمية، مجلة فه زين، العدد (15)، 1999م، ص172.
( ) عبد الكريم المدرس، علماءنا في خدمة العلم والدين، ص622.
( ) الشهاب الآلوسي:
هو أبو الثناء شهاب الدين محمود الألوسي, وُلِدَ ببغداد سنة 1217هـ-1802م, وتوفي 170هـ-1854م.
وكان إماماً في التفسير والإفتاء، وعالماً ضليعاً باللغة، وكاتبا بليغا، وخطيبا مصقعا، وقد حظي بشهرة عظيمة في عصره، وصار مقصد الأدباء، كان سريع الخاطر، منطلق الذهن في الكتابة والتحرير، وقيل: إن أقل ما كان يكتبه في الليلة من مؤلفاته ورقتان كبيرتان، وله عدة كتب في التفسير والفقه والمنطق والأدب واللغة، ومن أشهرها:
روح المعاني في التفسير، وهو تسعة أجزاء ويعد خير كتبه ومن أحسن التفاسير المتداولة، وقد طبع مرةً على نفقة ولده السيد نعمان خير الدين بمطبعة بولاق بمصر سنة 1301هـ.
2- شرح السلم في المنطق.
3- كشف الطرة عن الغرة، وهو شرح على درة الغواص للحريري.
4- وله كتاب في المقامات، طبع في كربلاء. نقلاً عن: الدسوقي، عمر، في الأدب الحديث، دار الفكر العربي، بيروت، 1420ه-2000م، ج1 ص57.
( ) المصدر نفسه، ص622.
( ) حمدي عبد المجيد السلفي وتحسين إبراهيم الدوسكي، عقد الجمان في تراجم العلماء والأدباء الكرد المنسوبين إلى مدن وقرى كردستان، ط1، مكتبة الأصالة والتراث، الإمارات العربية المتحدة، 1429هـ - 2008م، ص1050.
( ) الكُزْبَري(1140 - 1221 هـ = 1727 - 1806 م) محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكزبري: فقيه شافعيّ، محدّث، من أهل دمشق. أصله من صفد، ونسبته إلى خال والده (الشيخ على كزبر) انفرد بالاشتغال بالحديث، ودرس تحت قبة النسر في دمشق. نقلاً عن: الأعلام للزركلي، ج6، ص198.
( ) العطّار (1138 - 1218 هـ = 1725 - 1803م)، هو أحمد بن عبيد الله بن عسكر بن أحمد، شهاب الدين العطار: محدّث الشام في عصره، حمصي الأصل، دمشقي المولد والوفاة. من كبار المدرسين. ومن رجال الجهاد. قال البيطار: لما تغلب الفرنج على مصر ومشوا على الساحل ووصلوا الى صفد وبلاد نابلس عام 1214 شمر عن ساعد الاجتهاد ودعا الناس إلى الجهاد وخرج مع عسكر من دمشق مجاهدا بنفسه وماله وأولاده، حتى التقى الجمعان، فكان هو في الصفوف المقابلة للعدو. وحج وزار بلاد الروم ومصر. نقلاً عن: الأعلام للزركلي، ج1، ص166.
( ) ابن بدير : هو محمد بن بدير بن محمد بن محمود المقدسي الشهير بابن بدير، الإمام العلامة المحدث المسند الصوفي بدر الدين، من أجلاء خلفاء الشيخ محمود الكردي المصري، ولد في حدود الستين ومائة وألف، وروى عامة عن الملوي والجوهري والدمنهوري وعيسى البراوي ومحمد الفاسي الفارسكوري وأحمد الراشدي والحافظ مرتضى الزبيدي، وألف باسمه ثبتا ًسماه " قلنسوة التاج " وغيرهم، ومات 1220، وقد زرت قبره بجوار المسجد الأقصى. له ثبت أجاز به الوجيه عبد الرحمن الكزبري، نرويه عن طريقه عنه.نقلاً عن: الكتاني، محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني(المتوفى: 1382هـ)، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق: إحسان عباس، ط2، دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1982،ج1،ص244.
( ) إجازة الملا يحيى المزوري العلميّة للشيخ الملا عبد الله البارزاني، مجلة فه زين، العدد(10)، سنة 1998م، ص142.
( ) الشيخ عبد الهادي الكزبري الشامي من علماء الموصل الأعلام وكان قد منح الملا يحيى المزوري إجازة علميّة في الحديث والسنة النبوية. نقلاً عن: البريفكاني، ملا محمد سعيد ياسين، فضلاء بهدينان، إعداد مسعود محمد سعيد ياسين البريفكاني، مطبعة خبات، إقليم كردستان العراق، سنة 1997، ص69.
( ) هو "عاصم أفندي بن إبراهيم الكردي الماوراني الشافعي، له الباع الطويل في علوم التنزيل والتحقيق..أخذ عن أبيه إبراهيم".نقلا: عن:عثمان بن سند، أصفى الموارد من سلسلة أحوال الإمام خالد، ص115.
( ) يحيى، عبد الفتاح علي، الملا يحيى المزوري وسقوط إمارة بادينان، مجلة كاروان، العدد (41)، سنة 1986،ص149
( ) الحيدري، (1235 - 1299 هـ = 1820 - 1881م)، إبراهيم بن صبغة الله بن أسعد الحيدري، فصيح الدين، ويقال له إبراهيم فصيح: أديب بغدادي المولد والمنشأ والوفاة، كردي الأصل. تولى نيابة القضاء ببغداد، وألف كتبا، منها (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد - ط) و (أصول الخيل والإبل الجيدة والردية) و (أعلى الرتبة في شرح النخبة) في الحديث، و (إمداد القاصد في شرح المقاصد) للنووي، 79صفحة من القطع الكبير. نقلاً عن: الأعلام للزركلي، ج1، ص44.
( )نور الدين بن عبد الجبار البريفكاني: (حدود 1207 ـ 1268)
نور الدين بن عبد الجبار بن نور الدين بن أبي بكر بن زين العابدين بن الشيخ الشاعر شمس الدين الأخلاطي، البريفكاني، السيد، ومن أقطاب الطريقة القادرية في حينه.
ولد في قرية (بريفكا) التابعة لقضاء (شيخان) والواقعة شرق مدينة دهوك، وهي من قرى عشيرة المزورية، واختلف في تاريخ ميلاده، فأكثر من ترجم له ذكر أنه ولد سنة 1205 (1790 م) في حين يرى آخرون أنه ولد سنة 1200، وقد جاء في آخر قصيدة نظم الدرر للمتـرجم له أنه فرغ منها سنة 1231 وعمره في مقدار ثلاث أو أربع وعشرين سنة، وهذا يعنى أن ولادته تكون في حدود سنة 1207 أو 1208.
اشتغل بالتحصيل والتلقي وهو دون العاشرة، ويقال: إنه حفظ القرآن وهو في العاشرة، ثم رحل فـي طلب العلم، وقصد عدة أماكن منها مدينة العمادية ومدينة الموصل التي كانت تعج يومئذ بالعلماء والمشايخ، وفيها تتلمذ على بعض كبار علماء عـصـره، منهم: مفتي الموصل الشيخ عبد الرحمن الدباغ، ثم لحق بمدرسة العلامة الملا يحيى المزوري، كما كان يحضر مجالس الشيخ حسن الحبيطي، والشيخ سليمان الكردي البرويني.
سافر إلى بغداد سنة 1234 وقصد الحضرة الكيلانية وهناك جدد أخذه للطريقة من شيخ اسمه عبد القادر تتصل سلسلته بالشيخ عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني.
بعد انتهائه من التحصيل وأخذه للإجازة رجع إلى موطنه، واستقر مدة من الزمان في قريتة (ايتوت)، وبعد سنة 1239 انتقل إلى قرية (أتروش) وبقي فيها مدة، ثم انتقل إلى قرية (برآش) وبعدها رجع إلى قرية (بريفكا) واستقر فيها حتى وفاته في آخر ليلة السبت من أوائل شهر ربيع الآخر من سنة 1268 (هو يصادف شهر كانون الثاني من سنة 1851 م) ودفن بها. نقلاً عن: حمدي عبد المجيد السلفي وتحسين إبراهيم الدوسكي، عقد الجمان في تراجم العلماء والأدباء الكرد المنسوبين إلى مدن وقرى كردستان، ص1042.
( ) هو تلميذ الملا يحيى المزوري تصدّر حلقات التدريس، ناوأ اسماعيل باشا الثاني بفتاواه ضدّه فسمل عينه. نقلاً عن: العباسي، محفوظ، إمارة بهدينان، مطبعة الجمهورية، الموصل، 1388هـ-1969م، ص174.
( ) هو الملا أحمد بن أمين، وكان أديبا شاعرا لبيبا ظريفا بين الجد والهزل، قرأ العلوم العربية في بامرني والعمادية ودهوك وزاخو، له قصائد، ونظم الشعر باللغة الكوردية والعربية والفارسية، توفي سنة 1383هـ في منطقة برواري زوري رحمه الله. نقلاً عن: البريفكاني، ملا محمد سعيد ياسين، فضلاء بهدينان، ص99.
( ) الشيخ عبد السلام البارزاني (000-1333هـ =000-1914م) هو عبد السلام بن محمد بن عبد السلام بن عبد الله بن الملا بكر المعروف بتاج الدين البارزاني من زعماء وعشائر بارزان الكردية، تمرّد على السلطات التركية سنة 1908 فاعتقلته وأعدمته في الموصل سنة 1914م. نقلا عن: الصويركي، محمد علي، معجم أعلام الكرد، ص429.
( ) الملا يحيى المزوري، الرسائل المغنية لكل محتاج، ص16,
( ) المصدر نفسه، ص46.
( ) المصدر نفسه، ص47.
( ) المصدر نفسه، ص26.
( ) سورة فصلت، الآية 34.
( ) يحيى المزوري، الرسائل المغنية لكل محتاج، ص 51.
( ) "قال الله تعالى: من آذى لي وليّاً فقد استحل محاربتي وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء الفرائض وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن وفاته وذاك لأنه يكره الموت وأنا أكره مساءته". (حم والحكيم ع طس وأبو نعيم في الطب ق في الزهد وابن عساكر عن عائشة) .نقلاُ عن: الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي (المتوفى: 975هـ)،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني - صفوة السقا، ط5، مؤسسة الرسالة، 1401هـ/1981م، ج1، ص230.
( ) المصدر نفسه، ص 51
( ) المصدر نفسه، ص62.
( ) المصدر نفسه، ص70.
المصادر:
1- إبراهيم، نوري عبد الرحمن، ملا يحيى المزوري وجهوده العلمية، مجلة فه زين، العدد (15)، 1999م.
2- أحمد، محمد زكي حسين، إسهام علماء كوردستان في الثقافة الإسلاميّة، ط1، مطبعة وزارة التربية، أربيل، سنة 1999م.
3- آيدن، فريد الدين، الطريقة النقشبندية بين ماضيها وحاضرها، د.ط، د.م
4- البريفكاني، ملا محمد سعيد ياسين، فضلاء بهدينان، إعداد مسعود محمد سعيد ياسين البريفكاني، مطبعة خبات، إقليم كردستان العراق، سنة 1997.
5- بك، محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ترجمة محمد علي عوني، ط2، 1961م.
6- بيك، حسين ناظم، تاريخ الإمارة البابانيّة، ترجمة: شكور مصطفى ومحمد الملا عبد الكريم المدرس، ط1، مؤسسة موكرياني للطباعة والنشر، سنة 2001م.
7- حه كيم، هه لكه وت، ريبازى سوفيكه رى نه قشبه ندى _خاليدى، جابى يه كه م، جابخانه ى ئاراس، سالى 2009.
8- حمدي عبد المجيد السلفي وتحسين إبراهيم الدوسكي عقد الجمان في تراجم العلماء والأدباء الكرد المنسوبين إلى مدن وقرى كردستان، ط1، مكتبة الأصالة والتراث، الإمارات العربية المتحدة، 1429هـ - 2008م.
9- الحيدري، إبراهيم فصيح، المجد التالد في مناقب الشيخ خالد، د.ط، د.م.
10- الخال، محمد، الشيخ معروف النودهي البرزنجي، دار مطبعة التمدن، بغداد، د.ت.
11- الخاني، عبد المجيد، الحدائق الورديّة في حقائق أجلاء النقشبنديّة، ط2، دار آراس، إقليم كردستان العراق _ أربيل، سنة2002.
12- الدسوقي، عمر، في الأدب الحديث، دار الفكر العربي، بيروت، 1420ه-2000م.
13- الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الدمشقي (المتوفى: 1396هـ)، الأعلام، ط15، دار العلم للملايين، أيار مايو 2002م.
14- الشهرزوري، مولانا خالد النقشبندي، عقيدة الإيمان، العقيدة الكردية، تعريف وبحث كمال رؤوف محمد، ط1، دار آراس، إقليم كردستان العراق ـ أربيل، 2004.
15- الصويركي، محمد علي، معجم أعلام الكرد، مطبعة مؤسسة حمدي للطبع والنشر، السليمانية – العراق.
16 - العباسي، محفوظ، إمارة بهدينان، مطبعة الجمهورية، الموصل، 1388هـ-1969م.
17- عثمان بن سند، أصفى الموارد من سلسلة أحوال الإمام خالد، د.ط، د.ت.
18- الكتاني، محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني(المتوفى: 1382هـ)، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق: إحسان عباس، ط2، دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1982.
19- كريم، حسين حسن، إجازات مولانا خالد النقشبندي العلمية والتصوفية، ط1، مطبعة آراس، أربيل، العراق.
20- المايي، أنور، الأكراد في بهدينان، ط3، مطبعة هاوار، إقليم كردستان العراق، 2011.
21- المدرس، عبد الكريم، علماءنا في العلم والدين، عني بنشره محمد علي القره داغي، ط1، دار الحريّة، بغداد،سنة 1983م.
22- المدرس، عبد الكريم، يادى مه ردان (تذكار الرجال)، من منشورات المجمع العلمي الكردي، بغداد، 1979.
23- المزوري، الملا يحيى، الرسائل المغنية لكل محتاج، أعدها وقدّم لها محمد القره داغي، ط1، مطبعة آراس، إقليم كردستان/أربيل، سنة 2009م.
24- مصطفى، محمد صابر، النودهي وجهوده النحوية، ط1 مطبعة جامعة صلاح الدين، أربيل، سنة2004م.
25- الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي (المتوفى: 975هـ)،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني - صفوة السقا، ط5، مؤسسة الرسالة، 1401هـ/1981م،
26- يحيى، عبد الفتاح علي، الملا يحيى المزوري وسقوط إمارة بادينان، مجلة كاروان، العدد (41)، سنة 1986.